- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
في الرقة.. لن تقاتل داعش كما تريدوستة آلاف عنصر من الأطفال لن يدافعوا عنها
مع تقدم الحملة العسكرية التي تقودها القوات الأميركية نحو مدينة الرقة، يقترب تنظيم داعش من خوض واحدة من معاركه المصيرية التي يصعب التنبؤ بمجرياتها رغم نتيجتها المحسومة ضده. نحاول في هذا التقرير تقييم قدرة التنظيم على الدفاع عن نفسه هناك، معتمدين على أرقام وتقديرات خاصة من مصادر موثوقة.
لا يزيد عدد عناصر داعش المسجلين في جيش «ولاية الرقة» اليوم عن (6000)، يضاف إليهم نحو (1500) يمكن استدعاؤهم من الحسبة والشرطة وغيرها من أجهزة داعش الأخرى في الرقة. وهذا الرقم أقل بكثير مما كان عليه في العام 2015، عندما تجاوز حدود (12) ألف عنصر من السوريين ومن جنسيات متنوعة. ليتآكل تدريجياً بفعل الحملات التي خرجت من الرقة مؤازرة «جيوش ولايات» أخرى في سوريا والعراق، مني أكثرها بخسائر بشرية فادحة، فاقترب عدد قتلى داعش من «جيش الرقة» في العام الماضي من (3000) قتيل. ولم يقابل هذا النزيف العددي بالتعويض الكافي من المنتسبين الجدد، الذين لم يتجاوز عددهم في العام ذاته ألف عنصر، رغم حملات الدعاية المكثفة وندرة فرص العمل والضائقة المالية التي يمرّ بها السكان.
وبالنظر إلى أعمار القتلى من التنظيم خلال الأشهر الأخيرة تبدو داعش وكأنها تقود جيشاً من الأطفال والمراهقين عديمي الكفاءة -رغم حماستهم- بعد أن تآكلت القوة المندفعة التي شكل «المهاجرون» قوامها، إما قتلاً على الجبهات أو نقلاً إلى «ولايات» أخرى إنقاذاً لأرواحهم من معركة خاسرة لن تكون مشاركتهم فيها نافعة في نهاية الأمر. ومن جانب آخر قد تقدم داعش على جلب مجموعات مؤازرة من دير الزور ومن بادية الشام حيث تنتشر على مساحات شاسعة، في محاولة عبثية لرفد قواها في الرقة ورفع الروح المعنوية الآخذة في الانهيار، خاصة لدى الأكبر سناً من الراشدين الذين انتسبوا إلى التنظيم لأسباب نفعية، وهو الانهيار الذي تجلى اليوم في حالات التملص المتزايدة من القتال بذرائع واهية.
وسوى النقص العددي الذي ستعاني منه داعش وقت انطلاق معركة المدينة، ستعاني أيضاً من نقص في الأسلحة الثقيلة ومن العجز عن تحقيق الإمداد الكافي بالذخيرة بسبب طول المسافات من معاقل التنظيم الأخرى وتقطع الطرق بفعل الغارات الجوية. وخلال السنة الأخيرة استنزفت داعش مستودعات ذخيرتها في الرقة لصالح جبهات حلب والعراق ولم تنل حصة كافية من غنائم تدمر والغنائم الأخرى أو حتى من صفقات السلاح المتفرقة التي شكلت مورداً هاماً للتسليح، وخاصة مع ضباط في جيش الأسد عبر وسطاء.
ورغم الفوارق البائنة بين الموصل التي انتزعتها داعش من حكومة طائفية والرقة التي احتلتها من الجيش الحر؛ يحاول التنظيم، حسب ما يبدو من سلوكه ومن خطاب دعاته اليوم في الرقة، تكرار ما جرى ويجري في مدينة الموصل، مستلهماً تجربتها التي يعدّها إيجابية. فقد نجح في إطالة عمر المعركة، وفي تكبيد أعدائه خسائر بشرية فادحة، ونجح إلى حد ما في تصويرهم، لجزء من العرب السنّة في العراق على الأقل، كغزاة متوحشين –رغم أن بعضهم كذلك- بعد سلسلة المذابح التي ارتكبوها في حق السكان. وتسعى داعش إلى اتباع وسائل الدفاع ذاتها في الرقة، من ناحية التضحية بقوة تقاتل حتى النهاية، وتفخيخ كل ما يمكن تفخيخه حسب ما تتيحه إمكاناتها على توفير ما يلزم من مواد متفجرة، ومحاولة احتجاز أو إعاقة السكان عن النزوح، مراهنة على استهتار القوات الأميركية وشركائها بأرواح الناس، وهو رهان ناجح حتى الآن مع الارتفاع الكبير لعدد الضحايا المدنيين في كل غارة لطائرات التحالف على مدينتي الطبقة والرقة وفي بلدة المنصورة وغيرها، ما قد يزيد النقمة الشعبية ضد المهاجمين، ولكن دون أن تنقلب هذه النقمة إلى اصطفاف فوري مع التنظيم وفق ما يريد، بل قد يستثمرها لاحقاً في ما يتبقى له من أرض، أو حين يتحول إلى جماعة سرية إن كتب له البقاء.