(إن الشباب السوريّ أحب أن ينقل حالة الاعتزاز بالشخصية التي شكّلت لديه قدوةً ومثلاً أعلى من خلال إعادة ترميم تمثال القائد الخالد، إضافةً إلى بناء سورٍ حول التمثال يمثل سوريا بصمودها).
بهذه الكلمات عبّر ممثلو حزب البعث وشبيبة الثورة، الذين رعوا وقفةً أقاموها لإعادة تدشين تمثال حافظ الأسد في ساحة عرنوس وسط دمشق. في الوقت الذي غطّت فيه وسائل إعلام النظام هذا الحدث العملاق، ونشرت صفحات المؤيدين خطاباتٍ وصوراً قديمةً وتصاميم رثائيةً لرمزهم، مترحّمين عليه ومفتقدين ما يصفونه بحكمته وقدرته على استقراء المستقبل خلال هذه الظروف العصيبة التي تحلك بهم. وفي هذه الأثناء؛ لم يفوّت نشطاء الثورة يوم العاشر من حزيران، ذكرى موت الأسد، من دون يتفننوا في التلذّذ والاحتفال الرمزيّ بهذه المناسبة الغالية على قلوب الملايين، حسبما كتب أحد الظرفاء على الفايسبوك. إذ لا يمرّ هذا اليوم من كلّ عامٍ إلا ويتذكر غالبية السوريين الألقاب المتنوّعة التي نالها الأسد، بالتزامن مع نصيبٍ لا بأس به من اللعنات التي طالت روحه على الصفحات والألسن.
لكن، على هامش طرافة المفارقة هذه؛ لا يشكل الخوف وفقدان الأمان أو الانحراف الأخلاقيّ، المبرّرات الوحيدة لسلوك المؤيدين، وتحسّرهم على الماضي الذي مثله حافظ ورمزيته، بل تضاف إلى ذلك أسبابٌ يشرحها ما يمثله النظام لمواليه على المستوى النفسيّ. وإلا ما معنى أن ينطق شابٌّ في العشرين من عمره، وفي هذا العصر، بعبارةٍ من وزن: "سوف نبقى على هذه الأرض لنتابع نهج القائد الخالد تحت قيادة سيادة الرئيس بشار"؟
وليس جديداً هنا الحديثُ عن أن النظام الأسديّ، بطبيعته وأسمائه ورموزه، يمثل النموذج المثاليّ للسلطة الأبوية، التي يظن الخاضعون لها بشكل دائمٍ أنهم غير مؤهلين للعيش إذا ابتعدوا عنها. ولذلك يعجزون عن التمرّد عليها، ويشعرون بالنقص والرغبة في الانتقام ممن يقدم على ذلك ويكسر دورة حياتهم الوادعة. وهكذا يندمج كره الثورة مع المزاودة في تقديس كلّ ما يمتّ إلى صلب النظام، فكلّ حافظٍ ينجب بشاراً، وكلّ بشارٍ ينجب حافظاً. ومحالٌ أن تنتهي السلالة، إلى اللا نهاية وإلى الأبد.
تنطوي السخرية والشتيمة "الخفيفة"، التي يمعن غالبية السوريين في استخدامها بشكلٍ يوميٍّ وطبيعيٍّ، على حسٍّ تلقائيٍّ وحيويٍّ يقف في وجه ذاك الكمّ المتراكم من التعقيد والخطابية الذي لطالما ميّز نظام الأب وابنه لعهودٍ كان الناس فيها أكثر عماءً تجاه حاكمهم، في حين لم تكفِ السنوات الأربع التي مضت لتريهم حجم البلادة التي يعانون منها. ليبدو الأمر نفسياً في النهاية مثلما هو في الواقع؛ مواجهةٌ بين الابتكار والتمرّد مقابل كتلٍ من الرثاثة يمثلها ما جاء طوعياً من النظام، بتصدّر أمين فرع حزب البعث في دمشق ومنظماته البائدة لمشهد إعادة "تدشين" التمثال، والمقولات عن الرموز والقائد الخالد الذي ما زالت روحه في المتناول في كلّ ذكرى.