في غمار معركته مع الشعب السوريّ، والتي بدأت منذ سرقة الأسد الأب للحكم، تعمّد النظام تغييب الشباب عن الساحة الثقافية العربية والإسلامية عن طريق حجب العديد من الكتب السياسية والثقافية وتجريم بيعها وتداولها. ومع انطلاقة الثورة اندفع الشباب بشغفٍ كبيرٍ للاطلاع على تلك الكتب بشتى الوسائل، فأمّنت شبكة الانترنت بعضها وبقي كثيرٌ منها بعيداً عن متناول القراء إلى أن بدأت معارك التحرير.
استهداف التجمعات الثقافية
وتزامناً مع حملته الهمجية على محافظة دير الزور، استهدف النظام المراكز الثقافية والمكتبات الشعبية والمكتبات الأثرية، فمكتبة المفتي الشهيرة في مدينة الميادين كانت أكبر ضحايا حقد آلة النظام العسكرية، عندما حوّلت طائرات النظام ذلك الصرح الثقافيّ المليء بالكتب النادرة إلى ركامٍ ورماد، وهو الذي كان ملتقى المثقفين وملاذ الباحثين في العلوم الإسلامية.
وفي مدينة دير الزور يحكي لنا أبو أمين، المقاتل في الجيش الحرّ، ما كان يفعله جنود النظام من تمزيق وحرق وإتلاف الكتب الموجودة في منازل المدنيين. ويتابع أبو أمين راوياً لنا قصته مع مكتبة المنزل الذي كان يرابط فيه قائلاً: "رابطت في ذلك المنزل 50 ليلةً قرأت خلالها 35 كتاباً في مختلف المجالات. وأصبت بحزنٍ شديدٍ عندما تقدّمنا في الحيّ وتركت المنزل، فقد بقي فيه الكثير من الكتب التي لم أقرأها بعد".
عودة المكتبات الإسلامية
واليوم ومع تحرير العديد من المدن في الشرق والشمال السوريّين يسعى العديد من الناشطين إلى إحياء دور المكتبات الإسلامية في التكوين الثقافي للشعب السوري.
ففي مدينة البوكمال أنشأت جمعية أهل الأثر الخيرية مكتبةً صغيرةً للعامّة، وهي عبارةٌ عن صالةٍ تحوي العديد من الكتب الإسلامية المتنوعة والمختصّة بعلوم الشريعة وتفسير القرآن والحديث الشريف والفقه والعقيدة. وتشهد هذه المكتبة الصغيرة إقبالاً جيداً من قبل الناس، إذ يرتادها الكثير من شباب ورجال المدينة والقرى المحيطة بها. كما تقدم المكتبة بين الفينة والأخرى كتباً مجانيةً توزّعها على مرتاديها وعلى المصلين في المساجد.
حدثنا أبو إبراهيم، المسؤول عن المكتبة، عما أحدثته الثورة السورية من نقلةٍ نوعيّةٍ للقارئ، وعن عودة الكتب الإسلامية، قائلاً: "قبل الثورة كانت عقوبة حمل كتابٍ يحمل في عنوانه كلمة التوحيد أو الشريعة الإسلامية هو الغياب في مجاهيل السجون، ولكن الثورة السورية أسهمت في عودة الروح للكتب الإسلامية، فأقبل القارئ على كتبٍ كان يحلم بتقليب صفحاتها وأصبح اليوم يقتنيها ويقرأ ما يشاء ويبحث في أي مجالٍ دون رقيب".
ويضيف أبو إبراهيم: "كان إنشاء المكتبات العامة قبل الثورة حكراً على النظام، فحرم القراء وطلاب العلم من الاطلاع على العلوم الإسلامية والشرعية، وكل ذلك بسبب خوفه من فهم الشباب للدين الصحيح الرافض للظلم، ولتكريس فكر طاعة السلطان والسكوت عن الباطل واغتصاب الحقوق. والحمد لله
اليوم تشهد هذه المكتبة الصغيرة إقبالاً جيداً بالقياس إلى حجمها، إذ يرتادها يومياً العشرات من طلبة العلم المتعطشين لتعلّم أصول الفقه، وأئمة المساجد يوسعون معارفهم، وبعض علماء الدين يستذكرون ما أنستهم إياه سنين الظلام".
وداخل المكتبة التقينا بخطيب مسجد إحدى القرى في ريف المدينة، الذي كان يقرأ ويبحث في موضوع خطبته للجمعة المقبلة، مستفيداً مما تحويه المكتبة من كتب الحديث والتفسير. وقد حدثنا عن رأيه بعودة مثل هذه المكتبات إلى الساحة فقال: "المكتبة الإسلامية باتت ضرورية وعنصراً أساسيّاً ليعرف الشباب المندفع أصول دينه، فلا يصبح الدين مطيةً يفتي به ويتكلم به الجاهل والغافل".
يرى الكثير من النــــاس أن الإقبال على العلوم الإسلاميـــــــة هو نتيجةٌ أكيدةٌ لحرمانٍ دام أكـثر من 30 عامــــاً كان فيها الإســــلام عدواً للنـــــــظام، لأنه دين الحرية والعدالة والمساواة.