- الرئيسية
- مقالات
- رأي
عهد التميمي: الأيقونة في زمن «الحظ»
"عشانها هي حلوة وصغيرة وشقراء وملامحها أجنبية والإعلام الأجنبي اهتم فيها، انشهرتْ! علماً أنه في معتقلات زيها خرجوا من سجون الاحتلال، لكنهم محجبات ماحدن بيعرف فيهم"؛ بهذه الكلمات اختصرت صديقتي الفلسطينية تعليقها على حادثة إطلاق سراح عهد التميمي التي اشتهرت عبر مقطع فيديو يظهر صفعها لجندي إسرائيلي.
لعل أهل مكة أدرى بشعابها، لكن ماذا عن أهل الإعلام؟ فصديقتي صحفية ومراسلة حربية، في الوقت الذي يختبئ فيه أهل مدينتها غزة من القصف الإسرائيلي على القطاع تكون قد أعدت عدتها لتخرج في تغطية صحفية، "أليس لي الحق أن أكون أيقونة؟" تقول.
يعرّف قاموس الوسيط كلمة "أيقونة" بأنها صورة أو تمثال مصغّر لشخصية دينية يقصد بها التبرّك، تعود لقديسين توضع في زوايا الكنائس وتعدّ "اتصالاً مع الله" يتوجه الجميع إليها بالصلاة. نظراً لقداسة المعنى خرجت للاستخدام على نطاق أوسع، فبتنا نرى أيقونات سياسية ومجتمعية وثورية وتاريخية ودينية أو فنية، تكون قدوة في حدث ما، صامدة لا تقبل المساومة، قد يغدو صاحبها قائد رأي يبتغي من حوله محاكاة الأيقونة.
قبيل 2011 لم يكن منا أحد على دراية بأيقونات، سوى ما صنعه الإعلام عن حسن نصر الله وأكذوبة حرب تموز في 2006، ورموز أخرى من أبطال مسلسل المقاومة والممانعة. لكنّ مرحلة جديدة عايشها السوري مع انطلاقة الثورة في البلاد، تخلص إلى فرز ثنائي: فإما أن يكون مؤيداً للنظام، أو معارضاً له؛ تؤرخ بشغف اسم أول شهيد، وأول متظاهر، وأول معتقل، وأول منشق عن جيش النظام، أول من شدا بصوته منادياً برحيل الأسد، وكأنه يعدّ العدة لروي تاريخ سيرى النور في برنامج "شاهد على الحدث".
في الوقت الذي يسعى كل منا لبناء أيقونته الخاصة، سعى سوريون انشقوا عن النظام إلى تنظيم تظاهرات أمام سفارات النظام أو الدول الداعمة لها، مرابطين كما لو أنّ الثورة في يومها الأول، دون تحيز إلى فئة أو حزب سياسي أو طائفي، يطالبون بفتح ملف المعتقلين وإطلاق سراحهم، لكنّ الموت عاجلهم قبل بلوغ الثورة ثمارها، فيخرج أحدهم ليتساءل إن كانت تجوز الرحمة على مي سكاف المسيحية، أو فدوى سليمان العلوية، فنعود إلى مربع الفرز الأول لنجد أننا لا نجيد صناعة أيقوناتنا: نغرق في تجاذبات عن أحقية الشخص في أن يصبح "قدّيساً" يحافظ على نزاهته حتى اللحظة.
إحدى المداخل المعنية بفهم آلية خلق الأيقونة نظرية التمثيل الإعلامي (Media Representation)، كل ما نراه من شخوص ورموز تقدّم عبر الإعلام تبنى بطريقة إيجابية، تركز على صفات إيجابية تتغاضى عن كل ماهو سلبي، وقد تسعى إلى اختلاق صفات غير موجودة، ما يعني أن الشخوص المقدمة كأيقونات ليست حقيقة في المطلق، وإن كان عمر الأيقونة صغيراً، وله نصيب من الجمال يحظى بتعاطف أكبر.
(أطفال سوريا في زمن الحرب) بحثٌ نشره مركز (طوران) يوثق فيه تعداد الأطفال (دون الـ16 عاماً) الذين استشهدوا خلال الحرب وفقاً للآتي:
القصف المدفعي والصاروخي 15.720 في حلب، التفجيرات 453 في دمشق وريفها، نقص الأغذية ومواد التدفئة 643 في إدلب، 519 في حمص تحت التعذيب، بينما ذكر التقرير أن ما يفوق الـ700 طفل استشهدوا غير موثقين.
تقرير آخر أفادت به الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن استشهاد 30 ألف طفل سوري خلال الثورة، من جملتهم الطفل عمران، الذي سعى النظام إلى احتضانه، بعد أن أصبح أيقونة تحنّط فترة البراميل المتفجرة المتساقطة على حلب، ما لبثت أن اندثرت روايته عقب مقابلة متلفزة سعى النظام لبثها بإشارة نصره المعتادة، في حين أضحت صورة الطفل إيلان الغريق "مؤذية" في نظر البعض، ليدخل في متاهات التفسير عن مدى أحقية نشر الصورة.
لا تزال صديقتي تقنع بفكرة "الحظ"، تقول: هناك صحفيون فاشلون، مواطنون لا يحتمون من قصف، طلاب أغبياء منهم من أضحى شهيداً، ومنهم من حالفه حظ بالشهرة فباتوا أيقونات، وعهد التميمي أحد المحظوظين!". تختم قائلة: «الفلسطيني من السجن إلى كاميرات الإعلام، والسوري من المعتقل عالقبر!».