إهاناتٌ واعتقالاتٌ لأبناء دير الزور
"وين الديرية؟... الديرية ينزلو".
هي العبارة الأولى التي يسمعها ركّاب السيارات القادمة من مناطق سيطرة داعش في طريقهم إلى تركيا على أوّل حاجزٍ للجيش الحرّ، وبالتحديد حاجز "الجبهة الشامية".
يحمل السؤال عن "الديرية" دون غيرهم اتهاماً مسبقاً بعلاقةٍ تربط أبناء المحافظة بتنظيم داعش. وهم الهاربون، بمعظمهم، من الحياة تحت سلطته ومن العدوان المستمرّ لطائرات الأسد على مدنهم وقراهم. خلال الرحلة التي تمتدّ لما يقرب العشر ساعات، يتعرّض المسافرون من دير الزور لنوعين متناقضين من التهم؛ فهم "مرتدّون" تقريباً، وهاربون من "دولة الإسلام" إلى ديار الكفر، بحسب حواجز داعش، وهم "دواعش" تقريباً بحسب حواجز أعداء داعش في الجبهة الشامية، وهي الصيغة الاسمية لعددٍ من الكتائب والفصائل متفاوتة الأهمية ودرجة الانضباط.
ويشكّل السؤال عن أبناء دير الزور بدايةً لمضايقاتٍ لفظيةٍ من عناصر الحاجز، قد تتطوّر إلى إهاناتٍ لمن يرفض طريقة التعامل هذه، لا يسلم منها حتى الرجال الأكبر سناً، أو إلى توقيفٍ وسجنٍ وتحقيقٍ قد يتخللها ضربٌ وتعذيبٌ شديدٌ، وربما إخفاءٌ قسريٌّ، كما حدث مع الشاب أنس العلوان، ابن مدينة دير الزور الذي أراد اللجوء إلى تركيا آملاً أن يعثر على عملٍ يساعد به عائلته النازحة في مدينة البوكمال. فقبل عدّة أشهرٍ سافر أنس في حافلةٍ صغيرةٍ (سرفيس) مجتازاً مناطق داعش، واختفت آثاره قبل وصوله إلى معبر باب السلامة الحدوديّ، لتبدأ بعدها معاناة أهله في البحث عنه لدى القوى المسيطرة دون نتيجة، إذ تنصّل الجميع من أيّ علاقةٍ بحادثة الاختفاء، بل تبادل بعضهم التهمة تجاه الآخر. ولم تجد عائلة أنس سوى مواصلة البحث عنه، متتبعةً الأخبار المتناقضة التي تصل إليها بين حينٍ وآخر، كما يقول شقيقه: "مرّة يجينا خبر أنو موجود بالمؤسّسة الأمنية التابعة للجبهة الشامية، ومرّة يقولولنا بالقاطرجي عند أحرار الشام، ومرّة يقولولنا موجود بمشفى العيون يلي بيه لجنة قضائية مشتركة من النصرة وأحرار الشام والجبهة الإسلامية. حسبنا الله وهو نعم الوكيل". تبدو "حسبنا الله ونعم الوكيل" غريبةً بعض الشيء حين تطلق في وجه غير قوّات الأسد وداعش، لكن القصص التي ينقلها المسافرون، وخاصّةً أبناء دير الزور منهم، تجعلها مناسبةً إلى حدٍّ كبيرٍ، حين يمكن لبضع فتيةٍ مسلحين أن يفعلوا ما يحلو لهم دون أيّ رادع، وتحت غطاء الاشتباه بالعلاقة مع داعش.
يدافع بعض المقرّبين من القوى المسيطرة في ريف حلب المحرّر، أمام حوادث الإساءة المتكرّرة بحقّ أبناء دير الزور، بأن من يوجّه التهم هم الديريون المنتمون إلى هذه القوى أنفسهم، ملقين باللائمة على هؤلاء، دون أن ينتقدوا فرزهم إلى الحواجز كـ"خبراء أمنيين" يحدّدون "الدواعش" وأقرباءهم على هواهم وكيفما اتفق. إذ يمكن لعبارةٍ يقولها المسافر أن تجلب له المتاعب، كما حدث مع شابٍّ اتُّهم بأن شقيقه "داعشيّ" فجاء ردّه مستنكراً: "وأنا شكاري؟! إن شا الله أخوي يكون البغدادي ذاته". ليتعرّض إثر ذلك للضرب وللإهانة، ثم للسجن وللتعذيب لمدّة يومين، قبل أن يخرج بتدخلٍ من بعض عقلاء الكتيبة أو الفصيل المنتمي إلى الجبهة الشامية.
وحتى الكهول والشيوخ قد يقعون في دائرة الاتهام بالعلاقة مع داعش، فقد يكونون ممن حرّضوا لصالحها أو ساندوها أو فتحوا بيوتهم للدواعش، أو غير ذلك من قائمة التهم السهلة التي يخترعها عناصر الحاجز تمهيداً لاعتقال المتهمين أو ابتزازهم لدفع مبالغ كرشاوى لقاء "تيسير أمورهم" وتركهم يمضون بخير.
وآخر ما عرف من هذه الحوادث كان ما تعرّض له الناشط الإعلاميّ محمد حسان، الذي اعتقل في مدينة أعزاز بريف حلب الشماليّ بتهمتين متناقضتين هما العلاقة مع داعش والعلاقة مع الائتلاف. وتعرّض للضرب والإهانة، دون أن يعرف المجموعة التي اعتقلته وسلّمته إلى جهةٍ أخرى، لا يعرفها أيضاً، قبل أن يطلق سراحه.