- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
عقارات مهجري دمشق وريفها: تسفير بصمة الإصبع للتوكيل والبيع بأبخس ثمن
بالنسبة إلى الكثير من السوريين اللاجئين والمهجرين، يتوقف مصير الممتلكات والعقارات الخاصة بهم في مناطق سيطرة النظام السوري على توكيل أحد الأقارب ومنحه حرية التصرف ليتسنى لهم بيعها، ومن هنا جاءت فكرة تسفير بصمة الإصبع في ورقة بيضاء تصل إلى أحد المحامين، الذي بدوره يملؤها بالمعلومات والبيانات المطلوبة ويمررها إلى المراكز الحكومية لقاء أتعاب محددة، حيث تغدو وثيقة "وكالة عامة" رسمية.
مخاوف
منذ صدوره في العام 2018 حفز القانون رقم 10 الذي يقضي بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع سوريا، مخاوف الملاك الأصليين لاسيما في دمشق وريفها، خاصة وأن هذه المناطق قد شهدت أكبر حملات تهجير للمعارضين من المناطق الساخنة باتجاه الشمال السوري.
تكمن خطورة هذا القانون في أنه يمكّن النظام من وضع يده على ممتلكات المهجرين بحجة تنفيذ أحد بنوده الذي ينص على ضرورة إثبات ملكيتهم للعقار خلال 30 يوماً من صدور المرسوم، في حين لن يتم تعويضهم في حال عدم قيامهم بذلك، وستعود ملكية العقار إلى البلدة أو الناحية أو المدينة التي يقع ضمنها العقار.
باع عبد الحميد (مهجر من دمشق ويقيم في إدلب) شقة سكنية كان يملكها بريف دمشق على الرغم من أنه عمل -اعتماداً على أحد معارفه في المنطقة- على إعادة كسوتها بشكل جيد كما يقول لعين المدينة، لكن "القانون وما تلاه من جدل أثارا مخاوفي من أنه سيأتي يوم وأفقد فيه الشقة.. لذلك بعتها بعد أن أصبحت جاهزة للسكن بحيث يمكنني عرضها للإيجار" حسب قوله.
بصمة ثم توكيل
تتم عمليات بيع عقارات السوريين في الخارج اعتماداً على تكليفهم معارفهم في الداخل السوري بعرضها على المشترين ثم تسليمها وفق عقود بيع لا غير، لأن مسألة عدم وجود المالك الأصلي في منطقة العقار تشكل عائقاً كبيراً أمام استكمال بقية الإجراءات من نقل الملكية أو حصر الإرث وتثبيت ملكية الورثة ثم نقلها للمشتري.
مع الوقت وجد المهجرون وملاك العقارات الذين تمنعهم ظروف أمنية أو مادية من دخول مناطق النظام ومتابعة التصرف المباشر بعقاراتهم، أن أفضل حل لهذه المشكلة هو توكيل أقاربهم بشكل رسمي، حيث تتم عملية إرسال بصمة الإصبع من خلال مكاتب السفريات باتجاه دمشق.
يوضح أحمد (مهجر من دمشق يقيم داخل إدلب) أن عملية تسفير ورقة الوكالة الفارغة تتم من خلال إرفاقها مع أحد المسافرين من تركيا نحو دمشق، وهي حالات قليلة تستند إلى المعرفة الشخصية. بينما تتم أغلب العمليات من خلال وضع الورقة في مكتب سفريات سواء في إدلب أو تركيا، ثم تشحن مع البضائع أو الأمتعة من ميناء مرسين نحو ميناء بيروت، ومن بيروت براً نحو دمشق. وتبلغ كلفة هذه العملية بكاملها 40 دولاراً، وتنجز من خلال ورقتي "إي4" بيضاوتين تحتل بصمة الإبهام أسفل كل منهما.
لا يخفي أحمد مشاعر الاستغراب من أن ورقة بيضاء عليها أن تقطع كل هذه المسافة، قائلاً لعين المدينة "لم أكن أصدق مشهداً كهذا حتى جربت إجراء وكالة عامة لأخي في دمشق.. وقد بعت أرضي بهذه الطريقة وتمت عمليات نقل الملكية بشكل رسمي دون وجودي".
عقارات بأبخس الأثمان
حل مشكلة نقل الملكية لم يؤثر بشكل كبير على أسعار العقارات المتدنية بشكل يصفه معتز - وهو مهجر من ريف دمشق ويقيم في تركيا- بأنه "فظيع.. فمن يصدق أن سعر قبو تجاري كان يتجاوز قبل الثورة 80 ألف دولار يباع اليوم ب20 ألف دولار؟".
لتسديد ديون متراكمة، وجد معتز نفسه مضطراً لبيع قبوه الواسع الذي يمتلكه بريف دمشق ب"أبخس ثمن" وفقاً لتعبيره. وقد ارتفع سعر القبو قرابة 10 بالمئة عن سعره السابق، وذلك بعد استخدام الوكالة العامة لنقل الملكية إلى الشاري.
مثل معتز باع عبد اللطيف وهو مهجر من ريف دمشق أيضاً، شقة سكنية بربع قيمتها. يضيف بأن "المهجر مضطر للبيع بأي طريقة، فهو محتاج إلى المال من جهة، وخائف من أي خطة استيلاء قد تطبقها الحكومة من جهة أخرى".
تغيير ديمغرافي
نظرياً هناك توجس مصرح به بشكل دائم على الإعلام مصدره المهجرون من مناطق التسويات، ويتمحور حول وجود تغيير في بنية مجتمعات هذه المناطق بعد تهجير المعارضين منها، لصالح إيران وميليشياتها الطائفية. لكن خطط بعض المهجرين التي يتم تنفيذها على الأرض والتي تتمثل في البحث الحثيث عن وسائل لبيع عقاراتهم مهما كان المشتري، تناقض هذه الفكرة المعلنة.
فمع أن إقدام المهجرين على بيع عقاراتهم قد يساهم في تثبيت التوجه للنظام السوري ومن خلفه إيران في إحداث نوع من التغيير الديمغرافي سواء في أجزاء من دمشق أو ريفها، إلا أن عدداً من المهجرين الذين تحدثوا لعين المدينة برروا هذه الخطوة بالحاجة الماسة للمال من جهة، ومن جهة أخرى يرى كثيرون أنهم حتى لو امتنعوا عن بيع منازلهم وأراضيهم فسيبقى التغيير الديمغرافي "تحصيل حاصل".
ويلمح هؤلاء إلى وجود شبكات من السماسرة تعمل على حثهم على بيع ممتلكاتهم بأي شكل، وربما تكون هذه الشبكات تعمل لصالح إيران، لكنهم في نفس الوقت لا يرغبون في خسارة ممتلكاتهم في حال تم تطبيق سلة من القوانين الجائرة التي أصدرها النظام السوري بين عامي 2012 و2018، والتي قد تؤدي إلى استملاك الدولة لها.
من هذا المنطلق يختار المهجرون الباحثون عن وسائل سهلة ومضمونة لبيع مممتلكاتهم، اللجوء إلى "أهون الشرين" وفقا لتعبير أحدهم، فيما لا يزال آخرون مصرين على "عدم البيع مهما طال الزمن"، في محاولة للتشبث بالأرض على الرغم من نفيهم منها.