عطشٌ في مدينة المياه دير الزور

جانب مدمر من محطة تصفية مياه دير الزور

غريبٌ أن تقع مدينة دير الزور على نهر الفرات ويشكو ساكنوها قلة المياه. فقد توقفت محطات التصفية الثلاث الواقعة في الجزء المحرّر من المدينة عن العمل، بعد أن اجتمعت عليها أسبابٌ عدّة؛ من التدمير بفعل القصف، إلى توقف أعمال الصيانة والإصلاح، إلى مشاكل انقطاع التيار الكهربائيّ، وغير ذلك من الأسباب التي أدّت الى نقصٍ هائلٍ في إمداد مياه الشرب.

يقف المجلس المحليّ لمدينة دير الزور عاجزاً أمام هذه الأزمة، إذ لم تفلح مناشداته المتلاحقة في دفع المؤسسات أو الهيئات المختصة إلى التدخل. وآخر محاولات المجلس على هذا الصعيد هي الدراسة المقدّمة إلى الحكومة المؤقتة لتنفيذ مشروع صيانة وإعادة تأهيل المحطات الثلاث. غير أن هذا المشروع لم يحظ حتى الآن باهتمامٍ مناسبٍ من الحكومة. ولولا الجهود التطوّعية لعناصر الدفاع المدنيّ، الذين ينقلون المياه بصهاريجهم إلى داخل المدينة، ولولا وقوع بعض الأحياء المحرّرة في نطاق تغذية شبكة محطة عيّاش الواقعة في الجزء الغربيّ المحتل من المدينة (تتوقف هذه المحطة هي الأخرى عن العمل في حالات انقطاع التيار الكهربائيّ)؛ لأمكن القول إننا أمام كارثة.
ويتحدّث براء طه، رئيس مكتب الدفاع المدنيّ، عن عمل فريقه بالقول: "دفعنا تدهور الأوضاع إلى التدخل بنقل المياه، في حين أنها ليست من اختصاصنا. طاقمنا مكوّنٌ من عشرين شخصاً يعملون على ثلاثة صهاريج متباينة الحجم، وهي بسعة 135 برميلاً، تعمل على مدار الأربع وعشرين ساعة، توزع المياه إلى جميع الأحياء، وحتى خطوط التماس والاشتباك على جبهات المدينة المختلفة. يملأ فريقنا الصهاريج من منهلٍ للماء خارج المدينة، لتنقلها لمرّاتٍ عدةٍ خلال اليوم قد تصل في بعض الأحيان، وبحسب حجم الصهريج الواحد، إلى 35 مرّة".
ويذكر براء أن هذه المياه لا تخضع لأيّة معالجةٍ أو تنقية، فهي مياه خاميةٌ تؤخذ من النهر مباشرةً، مما أدّى، وبحسب شهادات ناشطين طبيين، إلى ازدياد حالات الإسهال والتسمّم وغير ذلك من الأمراض المرتبطة بجودة مياه الشرب. ويقول المهندس خالد الحمد، من المجلس المحليّ: "منذ أكثر من عامٍ تعاني المدينة من أزمة مياه. وتفاقمت المشكلة هذه الأيام إلى الحدّ الذي تغطي فيه الشبكة الحالية ثلاثة أحياءٍ فقط". ويضيف الحمد أنهم حاولوا استجرار المياه عبر أنابيب خارجية، كما فعلوا في (حويجة صكر)، حيث وصلوا شبكة المياه بأنابيب مكشوفةٍ من النهر مباشرة. وتعرقل قوات الأسد محاولات الهلال الأحمر إصلاح الأجزاء المتضرّرة من الشبكة، وتجبرها على إيقاف التسرّبات المائية في بعض أجزاء الشبكة القريبة من مواقعها على خطوط النار، خوفاً من انهيار الأبنية التي تتمركز فيها، مما يفاقم من أزمة المياه.
ويعلق وائل حنان، وهو مهندسٌ مختصٌّ بالمياه، على الأزمة الحالية بقوله: "إن شبكة المياه في المدينة شبكةٌ عنكبوتية. وبالتالي نستطيع تعويض الفاقد الحاصل في المياه لمنطقةٍ معينة، بسبب التسرّب في أحد الأنابيب الرئيسية، من خلال عمليةٍ ميكانيكيةٍ نقوم فيها بإيقاف التدفق عن نقطة التسرّب، ثم التعويض بشبكاتٍ فرعيةٍ بزيادة ضغط الأنابيب في منطقة أخرى". ويقرّ الحنان بأن هذه الحلول مؤقتةٌ وغير ناجعة، نتيجة تضرّر عدة أنابيب رئيسيةٍ في آنٍ واحد، إضافةً إلى المشكلة الرئيسية بتوقف محطات التصفية الثلاث الواقعة في الأجزاء المحرّرة عن العمل. ويقترح الإسراع بإعادة تأهيل محطةٍ واحدةٍ منها على الأقلّ، مع تزويد الورشات المشغلة لها بكل ما يلزم من مواد أولية وتجهيزاتٍ للقيام بأعمال الصيانة الدورية والتصدّي للأعطال الطارئة.

قبل الثورة، وبحسب أرقامٍ حكومية، بلغت حصة الفرد الواحد في سورية من المياه (193) ليتراً في اليوم. وينال كل فردٍ من الأربعين ألف مقيمٍ في أجزاء المدينة المحرّرة حالياً، من حمولات صهاريج الدفاع المدنيّ، ما مقداره (16) ليتراً فقط كلّ يوم.