عساكر السويداء

يعيش كثير من المجندين في صفوف قوات النظام من أبناء محافظة السويداء، حالة من انعدام الموقف حيال كل ما يحدث حولهم من قضايا سياسية أو اجتماعية أو إنسانية، محاولين عزل أنفسهم عن كل ماحولهم بانتظار ظهور حل ما ينهي واقعهم الحالي ويعيدهم إلى حياتهم، دون أن يكون لهم دور بإحداث هذا التغيير.

شهدت محافظة السويداء، كغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حملات اعتقال وتجنيد لأبنائها. إلا أن ذلك مرّ عبر مراحل متعددة، كانت ترتفع وتيرة الاعتقالات في بعضها وتكاد تكون معدومة في مراحل أخرى، بناء على الأوضاع الاجتماعية والأمنية فيها، مع محاولة النظام تجنب إثارة المجتمع ضده إذا كان بإمكانه تجنب ذلك.

مع بدء الثورة السورية كانت السويداء منقسمة على نفسها بين معارض ومؤيد كحال بقية المحافظات السورية، ومع ازدياد وتيرة العنف بدأ هذا التباين يزداد وضوحاً، وانعكس ذلك على العسكريين من أبناء المحافظة، حيث بدأت عمليات الانشقاق من قبل ضباط ومجندين، بينما لمعت في الوقت نفسه أسماء أخرى على درجة عالية من التأييد أو «التشبيح» للأسد، إلا أن أعداد المنشقين أو الممتنعين عن الالتحاق بصفوف النظام تزايدت مع تسارع الأحداث العسكرية والسياسية ليبلغ عددهم نحو 27 ألف شاب عام 2013.

حاول نظام الأسد بالتزامن مع ذلك أن يستقطب أبناء السويداء للعودة إلى صفوفه عبر إصدار عفو عام عنهم، ما دفع عشرات منهم للالتحاق بقواته، لكن هذه الأعداد لم تكن مرضية للنظام، فشن حملة اعتقالات طالت نحو 470 شاباً في كانون الأول نهاية العام نفسه، وسط أحاديث حول نية النظام نقلهم إلى جبهات القتال؛ في الفترة ذاتها التي بدأت تظهر فيها حركة «رجال الكرامة» والتي توجهت مع شيوخ دين آخرين إلى المعسكر الذي احتجز فيه الشبان، وتمكنت من اقتحامه وإطلاق سراحهم، مع إصدار قرار بعدها يمنع التجنيد الإجباري في السويداء.

ورغم عدم قدرة النظام في تلك الفترة على اعتقال شبان في السويداء، إلا أن بعض الحالات كانت تحدث على أطراف العاصمة دمشق أو على الحدود اللبنانية، كما أن بعض المجندين سابقاً لم يتركوا قطعاتهم العسكرية، أو تركوها وعادوا إليها بتسويات مع النظام تضمن بقاء أبناء السويداء داخل محافظتهم.

يمضي غالبية أبناء السويداء خدمتهم العسكرية ضمن قطعات عسكرية داخل المحافظة. ورغم وجودهم في صفوف النظام، إلا أن كثيرين منهم لا يعتبرون أنفسهم موالين لنظام الأسد، مع ما تحمله هذه الفكرة من سخرية بحد ذاتها، فهؤلاء المجندون لا يخوضون أي معارك ضد أي طرف، حتى عندما كانت تتعرض محافظة السويداء لهجمات من قبل تنظيم «الدولة» أو «جبهة النصرة»، كان النظام يمتنع عن إرسال جنوده إلى تلك المعارك. ويترك أبناء المناطق التي تتعرض للهجوم يقاتلون وحدهم، إلا أن المجندين يدركون أن ذلك ليس نابعاً من خوف على حياتهم، وإنما يهدف إلى تذكير الأهالي بضرورة وجوده لحمايتهم من المتطرفين.

وبما أن غالبية المجندين من أبناء السويداء لا يخوضون معارك خارج المحافظة أو داخلها إلا نادراً، فإن النظام لا يتعامل معهم غالباً إلا كجنود متقاعسين ومشكوك بولائهم، ولكنه يفضل الاحتفاظ بهم في صفوفه على أن يتركهم. كما أنهم في الوقت نفسه لم يحصلوا على احترام المعارضين من أبناء المحافظة أو من خارجها باعتبارهم لم يتخذوا موقفاً واضحاً إلى جانب الشعب السوري، ما جعلهم غير مرغوب بهم من كلا الطرفين.

وفي ظل ما يحدث في المشهد السوري، لا يمكن إجراء دراسة دقيقة أو تقريبية تبين موقف المجندين من نظام الأسد ولا من الثورة السورية، إلا أنه من الممكن وضع تصور يمكن أن يقترب من حقيقة وضعهم. إذ يبدو المجندون ناقمين على النظام الذي يحتفظ بهم في صفوفه منذ نحو ثماني سنوات، إلا أنهم في الوقت نفسه غير مؤيدين للثورة السورية، مع وجود حالات أخرى تختلف تماماً مع هذه التوصيفات العامة.

إذن فإن محاولة إيجاد توصيف دقيق لموقف عساكر السويداء من نظام الأسد أو من الثورة السورية، قد لا تفضي إلى نتيجة مقنعة، إلا أن ذلك يبدو في الوقت نفسه انعكاساً لواقع المحافظة بأكملها. فلو استثنينا من اتخذوا مواقف واضحة بالانحياز لأحد الجانبين، سيبقى أمامنا طيف واسع من الأهالي لا يميلون إلى أي منهما، وإذا سألتهم فإنهم لا يملكون جواباً واضحاً حول طبيعة موقفهم. ورغم وجود كثير من المجندين من أبناء السويداء يؤيدون الأسد بشكل مطلق، وآخرين يكرهونه ويتمنون رحيله، إلا أن معظم من تبقى لا يبالون ببقاء الأسد أو سقوطه، ولا بانتصار الثورة أو فشلها، إنما ينتظرون فقط قرار «التسريح» الذي لم يصل.