ضمور الأقسام الثقافية في صحف الثورة

في جولة بسيطة على صحف الثورة السورية يُلاحَظ غياب اللغة الثقافية والأدبية، وخصوصاً الشعرية، والتركيز على تغطية المآسي والمذابح والتطورات الميدانية والسياسية، أو مناقشة المشكلات الخدمية والحياتية بشكل عملي ومباشر.

عُرف عن العرب على مر التاريخ حبهم للاستماع وتأثرهم باللغة، فما الذي حدث حتى تغير هذا؟ ومن يتحمل المسؤولية؟! أهي الموادُّ التي يقدمها الكتّاب؟ أم تحول المجتمع نحو الفنون البصرية والتقارير الإخبارية وتركه القراءة غثها وسمينها؟ أم توجه الصحف الثورية -تلبية لشروط داعميها- إلى التركيز على الواقع السياسي والحياتي وتجاهل ما سواه؟

ولماذا تجتاحك، في هذه الصحف وسواها من المنابر الإعلامية، الصور المتعبة ومشاهد الفيديو المليئة بالدم، ويبدو فعل الكتابة هزيلاً جداً لا يفضي إلى مكان، ويغدو فعل القراءة أيضاً ترفاً تختصره هذه المواقع والمجلات بمقدمة صغيرة تحكي فيها كل ما تريد قوله تلبيةً لملل القارئ، وتجنباً لسرد الأديب الذي لا ينتهي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة تواصلنا مع أدباء وصحفيين للاطّلاع على وجهة نظرهم بهذا الخصوص.

يبدو مصطفى تاج الدين الموسى، وهو كاتب سوري له خمس مجموعات قصصية ومسرحيتان ترجم بعضها إلى لغات عدة، أكثر هؤلاء الأدباء حظوة، فقد نُشرت الكثير من قصصه في صحف الإعلام البديل، وسُلطت الأضواء عليها، على عكس أدباء آخرين لم يجدوا إلى الآن مكاناً لهم في الصحف البديلة.

ويعزو القاص ذلك إلى أن معظم هذه المشاريع الإعلامية كانت «مغامرة» تفتقر إلى «المختصين في مجال الأدب وحتى الإعلام»، رابطاً ذلك بـ«الإمكانيات البسيطة والظروف غير الطبيعية التي نشأت فيها هذه الصحف، لأنها ابنة بيئتها وظروفها السيئة». فتسارع الأحداث الميدانية والسياسية جعل من الصعب الوقوف على كافة الأحداث وأدى إلى تجاهل دور الأدب والأدباء، حسب رأي الموسى الذي يؤكد، رغم ذلك، على أن الكتّاب والمثقفين مطالبون بدعم الإعلام البديل وصحف الثورة والوقوف إلى جانبها لتتطور مع الزمن، حتى لو كانت لا تواكب كل التطورات الثقافية أو تفتقر إلى مقومات الإعلام.

من جهته يرى الشاعر والكاتب فايز العباس أن السبب الرئيسي لغياب الأدب وخصوصاً الشعر عن الإعلام البديل يعود إلى «تبني هذا الإعلام الشكل التقريري في مواكبة الثورة، وهذا ما استدعى -في رأيه- التركيز على الحالة السياسية والعسكرية، لأن الأدب يعتبر ترفاً بالنسبة إلى المواطن بحالاته المتعددة «نازحاً، مهجراً، محاصراً، منكوباً». ويعتقد العباس «أن هذا الإعلام، غير الحِرَفي بطبيعة نشوئه المرحلية، آثر الابتعاد عن هذا الجانب الذي لا يقل أهمية عن الكثير من الجوانب والوجوه الأخرى للثورة».

وعن غياب الأسماء الأدبية عن الساحة الثقافية، وفي سؤال للشاعر عن إمكانية نجاح إعلام لا يدعم أبرز أدبائه قال: «أغلب الإعلام السوري البديل -للأسف- إعلام موّجه ومُجيَّر وناشئ عن التمويل السياسي، ولأن الهيئات السياسية لا يعنيها في المحصلة سوى أن تعتمد منابر لتمرير فكرها ومشروعيتها فإن وجود الأصوات الحقيقية ليس ضمن توجهات هذه الأحزاب التي نمَت كالطحالب على جذع الثورة. الأدب مرآة فاضحة، وهذه الأحزاب في غنى عن تمويلِ ما مِن شأنه فضح تجاوزاتها بحق الإنسان السوري عموماً، وبحق الثورة بشكل خاص».

وفي إجابته عن السؤال ذاته قال صادق عبد الرحمن، وهو كاتب صحفي ومحرر في موقع مجموعة الجمهورية: «إذا كنت تلمّح إلى أن هناك تقليلاً متعمداً من شأن الأدب والشعر والنتاج الإبداعي في زمن الحرب والموت السوري فلا أعتقد أن هذا صحيحٌ تماماً».

إذ يعزو عبد الرحمن غياب الجانب الأدبي في صفحات الثورة إلى عاملين؛ أولهما التغيرات الميدانية والسياسية المتسارعة واليومية، والتي لا تتيح المجال واسعاً للاهتمام بالأدب، وربما يكون هناك اعتقاد سائدٌ لدى الكتاب والصحفيين أنفسهم بأن هذا ليس زمن الأدب والشعر. وثانيهما أن «معظم هذه الصحف والمجلات، المطبوعة منها والإلكترونية، ليس لديها تمويل ذاتي وهي تعتمد على جهات مانحة، والأرجح أن تلك الجهات مهتمة بتمويل الجوانب الصحفية والإخبارية والاستقصائية والخدمية أكثر من اهتمامها بدعم النتاج الأدبي».

ويضيف في النهاية عاملاً ثالثاً هو «رغبة أو احتياجات الجمهور نفسه»، إذ يعتقد أن النسبة العظمى من القراء تحتاج إلى معرفة التطورات السياسية والميدانية أكثر من حاجتها إلى الأدب. ويرى أن الاهتمام بالحالة الأدبية يحتاج «إلى تمويل ذاتي ورخاء من نوع ما»، وهذا غير متوافر لدى أغلب الصحف والمواقع التي نشأت في زمن الثورة، إن لم يكن جميعها.