من إنجاز مركز شرارة آذار للدراسات، وإعداد صبر درويش، صدر هذا الكتاب عن دار رياض الريّس للكتب والنشر، مطلع هذا العام، حاوياً بين دفتيه ستّ دراساتٍ عن تجارب المناطق السورية المحرّرة من حكم نظام الأسد، أعدّها باحثون مختلفون.
وفيما عدا مقدّمة تحرير الكتاب، وفصلٍ واحدٍ منه، تتناول الأبحاث تجارب محدّدةً لمدنٍ أو مناطق محرّرة، هي مخيم اليرموك على أطراف دمشق، ومدينة زملكا في ريفها اللصيق، ومدنٍ أخرى في محيط العاصمة، لجأت مضطرّةً إلى خيار الهدن المرير. بالإضافة إلى تجربة مدينة بنّش في ريف إدلب، وحيّ بابا عمرو بحمص.
وتحاول هذه البحوث الإجابة عن أسئلة كيفية قيام سكان هذه المناطق بإنتاج شروط حياتهم في ضوء التحرير، في مجالات المعيشة والخدمات والتعليم والصحّة والأمن والقضاء؟ وهل تبلورت، في سياق كلّ ما ذُكر، مشاريعٌ اجتماعيةٌ متكاملة؟ وكيف تعامل النظام مع هذه المناطق؟ وما طبيعة العقوبات التي فرضها عليها؟ ولماذا تعثر بناء الدولة البديلة في هذه المناطق الواسعة؟
ففي مخيّم اليرموك نجحت تجربة المدارس البديلة، التي فرضت حضورها حتى على الأونروا، رغم استهداف المدارس واستشهاد بعض الطلاب. أما تجربة المكتب الطبيّ الموحد فلم ترقَ إلى المستوى ذاته من النجاح، بسبب غياب الأطباء الاختصاصيين، بالإضافة إلى نقص التجهيزات والأدوية. وقد تميّزت تجربة زملكا بتأسيس هيئةٍ قضائيةٍ تعتمد القانون السوريّ، مع بعض التعديلات، أشرف عليها حقوقيون ومشايخ. ولكن، بعد أشهرٍ من ذلك، أخذت بعض الفصائل الإسلامية تضغط لضمّ بعض مواليها الشرعيين إلى الهيئة، تمهيداً لتحويلها إلى هيئةٍ شرعيةٍ مستتبعةٍ لهذه الكتيبة الداعمة والمسيطرة، مع تراجع باقي الكتائب نتيجة ضعف التمويل. وفي مناطق عديدةٍ من دمشق وريفها حرص النظام على تهشيم كلّ محاولات القوى والمجموعات المحلية لبناء كياناتٍ بديلةٍ، بإمطار هذه المناطق بالصواريخ والبراميل المتفجّرة من الطيران الحربيّ، وبالقصف بعيد المدى براجمات الصواريخ والمدافع، فضلاً عن فرض الحصار المحكم ومنع دخول المواد الغذائية أو الطبية أو سواها. مما أدى إلى عجز الثوّار وتضعضع الحاضنة الشعبية للثورة، تمهيداً لفرض الهدن كخيارٍ إلزاميٍّ.
أما في مدينة بنّش فقد أدّى تعثر قيام مؤسّساتٍ مدنيةٍ حقيقيةٍ تدير شؤون السكان الأمنية والاقتصادية والاجتماعية إلى بروز الزعامات والاصطفافات العائلية من جهة، وإلى نموّ التطرّف بشكلٍ غير مسبوقٍ من جهةٍ أخرى. فصارت المدينة موطناً لتياراتٍ سلفيةٍ عديدةٍ، مع هامشية دور الجمعية السورية للعمل المدنيّ، التي أسّسها ناشطون محليون.
وفي حين نالت التجارب السابقة حظّها من الوقت، فقد أُجهضت تجربة حيّ بابا عمرو الحمصيّ في بداياتها. إذ لم تكد تجربة المنشقين عن الجيش القامع تنتظم في كتائب لحماية المحتجّين المدنيين حتى تحرّكت قوّات الأسد لاقتحام الحيّ مهما كان الثمن، وقبل تبلور نويّات التنظيم المدنيّ البديل التي كانت آخذةً بالتشكّل.