تراهم، هواةً واختصاصيين، يسعون إلى نقل الصورة للعالم الخارجيّ، وتسليط الضوء على حال السوريين، الذين أصبحوا بين ليلةٍ وضحاها العدوّ الأساسيّ لنظامٍ كان يدّعي المقاومة والممانعة.
حين تصبح الثورة أولاً
قصيّ ومحمد ومريم وعمر طلابٌ بكلية الإعلام بجامعة دمشق، جمعتهم مقاعد الدراسة كما جمعتهم ثورة بلادهم، اختاروا أن تكون عدساتهم لتوثيق الحراك السلميّ لثورة الكرامة السورية، ثم ليكونوا إعلاميين يوثقون انتصارات الثوار في أرجاء سوريا. "عين المدينة" كانت في ضيافة أولئك الطلبة، وسألتهم عن سبب تركهم لمقاعد الدراسة والتحاقهم بركب الثورة.
مريم الخالد، التي اعتقلت عدّة مراتٍ من قبل أجهزة المخابرات بسبب نشاطها الثوريّ، رأت أن الاستبداد وانحصار السلطة بعائلةٍ معينة، بالإضافة إلى الفساد الذي لحق بكافة أجهزة الدولة، كانت أسباباً كفيلةً لالتحاقها بالثورة مبكراً.
بينما رأى قصيّ أسعد أنه لا فائدة لوجوده في كلية الإعلام بلا ثورةٍ تجتاح هذا الوطن وشاشاته البائسة بأخبارها المتعفنة وجرائده الخشـــــبية وإذاعاتـــــه المحكومة اللسان... "كوني طالباً.. اتحاد الطلبة التشبيحيّ وحده كافٍ ليلهب في قلبي ثورة".
ولإعلام الغوطة الشرقية عدساته التي كان لها دورٌ كبير في توثيق جرائم الأسد في ذاك الريف المنكوب. محمد حمّص رأى انتهاكات عصابات الأسد، فدفعته بشدةٍ إلى أن ينقل صورة ما يجري بصدقٍ وشفافيةٍ إلى الإعلام الحرّ والمستقلّ، الذي كان مغيّباً عن الساحة.
وأما عمر، فحدثنا عن مشاركته بالثورة، فقال: "ما رأيته وما تعرّضت له من قبل أجهزة القمع البعثية قبل الثورة شكل حافزاً لديّ لأنطق بأعلى صوتي كفى، ولأترك كليةً كان معلموها صنّاع قرارٍ في حزب البعث إلا ما رحم ربي".
محمد وعمر ومريم وقصيّ، وغيرهم من طلبة كلية الإعلام الأحرار الذين لم نستطع الوصول إليهم، فصلوا من جامعتهم، والسبب الرئيس وقوفهم إلى جانب الحق.
حناجرهم منابر للثورة
عملت مريم ناطقةً رسميةً باسم تنسيقية مدينتها بريف دمشق، وهي لا تزال في كلية الإعلام. حين سألناها عن الجرأة التي تمتلكها لتخرج وتشرح للعالم ما الذي يحصل بسوريا، قالت: كنت أعلم أنني سأعتقل في أحد الأيام، لكن نقل الصورة للعالم كان بمثابة شرفٍ لي. لم أكن أبالي بأجهزة الأمن لأنني كنت أعلم بأن الحق سيظهر ولو اعتقلت، لأن هناك الآلاف غيري سيوصلون رسالة الشعب السوريّ.
وأحياناً تصبح الهجرة من الوطن الملاذ الآمن من أجهزة الأمن. فقصيّ، الذي يعمل حالياً محرّراً في وكالة سمارت للأنباء، قد اضطرّ لمغادرة سوريا، بعد أن جعلت أجهزة الأمن خروجه من منزله مسألةً تحتاج إلى موافقة. وقد حدثنا عن دوره الإعلاميّ بعد خروجه من سوريا، قائلاً: "أتواصل مع العديد من النشطاء داخل سوريا لأكون منبراً لهم وأوصل صوتهم وآلامهم لباقي الشعوب، وفي ذات الوقت أكمل دراستي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة".
أما محمد حمّص، عضو تنسيقية الثورة السورية في مدينة دوما، والذي كان يرافق الثوّار في مـــعارك الغوطـــة الشرقية، ورسّخ عدسته لتكون بمثابــــة شاهدٍ على آلة الموت الأسدية؛ فقد قال لنا: "منّ الله عليّ أن أكون إعلاميّاً ثوريّاً. حقيقةً أكثر ما يرعب النظام هي عدساتنا لأنها أكبر دليلٍ على جرائمه. كنت أحد الناجين من مجزرة الكيماويّ، ووظّفت عدستي لتوثيق موت الآلاف من سكان غوطة دمشق".
لتكون محطة لقاءاتنا الأخيرة مع النصر القادم من الشرق في دير الزور. فعمر، الإعلاميّ الذي عمل في العديد من الصفحـــات الثورية، وكان آخرها تنسيقية الثورة السورية في دير الزور، يقول: "كانت أجمل اللحظات حين أمسك كاميرتي وأصــــوّر المظاهرات ومعارك التحرير، لكني كنت أبكي عندما أذهب لأوثق استشهاد أحد الثوار. شكلنا كتيبةً إعلاميةً في أيام الحراك السلميّ أطلقنا عليها اسم كتيبة (إلا نهبلكم) أي أجهزة الأمن. كان دورنا الكتابات ضدّ النظام، وإعلام الناس بمكان وزمان المظاهرات. حقيقةً عدستي بغير الثورة لا تشرّفني".