زراعة دير الزور.... إلى الهاوية

عدسة كمال | العشارة | خاص عين المدينة

ليست نيران الأسد وحدها من أحرق المحاصيل الزراعية في ريف دير الزور، فندرة المياه ـ نتيجة توقف معظم الأعمال في مشاريع الري ـ وارتفاع أسعار السماد والبذار والمحروقات إلى مستويات غير محتملة؛ كل ذلك سبّب مجتمعاً ما يشبه الدمار الكامل للمحاصيل الصيفية والشتوية.
ولا يكفّ فلاحو دير الزور عن الشكوى، ولا يعلمون على وجه التحديد جهةً أو هيئةً يلجأون إليها للتخفيف من الخسائر الفادحة التي لحقت بزراعتهم حتى الآن، ووقف تدهورها إلى مستويات خطيرة.
يقول أبو إبراهيم، وهو فلاح من أهالي العشارة: إلى أين أذهب؟ ليس لي إلا الله... مللت من الشكوى... أملك 15 دونماً... كنت أزرع القمح والخضروات والقطن... وبالكاد كانت هذه الأرض الصغيرة تؤمن دخلاً صغيراً يكفي لإعالة أسرتي. ومنذ سنة تقريباً تفاقمت المشاكل، فقد ارتفعت أسعار البذار والأدوية الزراعية، وشحّت المياه في قنوات الري، مما أضرّ بزراعتي لهذا الموسم بشكل كبير. ويضيف أبو إبراهيم: كنت أنتج 500  كغ قمح للدونم الواحد، وتراجع الإنتاج في هذا الموسم الى أقل من 100 كغ! إن أجرة عمل ساعة واحدة لمحرك ضخ المياه هي 500 ليرة حالياً، وفوق ذلك هي مياه بئر غير مناسبة لري المحاصيل الزراعية، فهي أقرب إلى الملوحة، مما تسبب بمشكلة أخرى، إذ تملّحت أجزاء كبيرة من أرضي.
يقول المهندس الزراعي عبد الصمد شهاب، وهو صاحب صيدلية زراعية، يقوم بدراسات ميدانية وجولات اطلاعية في منطقة العشارة وجوارها: نتيجة احتكاكي المباشر بالإخوة الفلاحين، واطّلاعي على تفاصيل العمل الزراعي ويومياته، وقيامي بأبحاث ميدانية إحصائية؛ أرى في الفلاح مجرد ضحية في دورة العمل واقتصاد سوق المنتجات الزراعية. إذ تندر المياه المناسبة والصالحة لسقاية المحاصيل، فقد توقف العمل في مشروع الري الخامس الذي يروي الأراضي في كل من القورية والعشارة ومحكان وغيرها ـ وهي مساحات شاسعة تتجاوز آلاف الهكتارات ـ مما أدى إلى امتناع كثير من الفلاحين عن زراعة أراضيهم. فعلى سبيل المثال لم يزرع من قطعة أرض بمساحة 350 دونماً إلا 50 دونماً، وهذه الحالات متكررة بشكل كبير. واضطر بعض الفلاحين الى استخدام الآبار لأعمال السقاية، مما أضاف مشاكل وأعباءً أخرى إلى كاهل الفلاح المثقل أصلاً.
ويضيف شهاب: في موسم القطن المبكر، الذي بدأ في مطلع الشهر الرابع المنصرم، لم يسق الفلاحون إلا سقاية واحدة، علماً أن القطن يحتاج إلى أربع سقايات منذ ذلك الوقت إلى الآن، ولم يتمكن الفلاحون من سقايات أراضيهم أبداً في الزراعات الحالية. وهذا يعني باختصار خسائر فادحة لموسم القطن لهذا العام.
أما بالنسبة لأنواع الأسمدة اللازمة فقد ارتفع سعر كيس سماد اليوريا من ألف ليرة في العام الماضي إلى خمسة آلاف، والرقم قابل للزيادة وبشكل يومي مع انهيار العملة السورية وصعوبات أخرى في تأمين المادة ونقلها، مما دفع الفلاحين إلى شراء الأسمدة المركبة الذوابة، التي تستخدم عادة للمحاصيل الخضرية. وهذه الأسمدة ذات أسعار متزايدة وبشكل يومي كذلك، مما انعكس بشكل سلبي على أسواق الخضار ومنتجيها أيضاً. يتناول شهاب علبة للمبيدات الزراعية من رف صيدليته ويقول: هذه مادة (تريفلان)، التي تستخدم بشكل رئيسي في محصول القطن، لمكافحة الأعشاب الضارة التي قد تصيب هذه الزراعة. كنا نشتريها من تجار الجملة بـ (400) ليرة، واليوم يتجاوز سعرها (1500) ليرة، مما جعل الغالبية تعرض عن شرائها. وفوق كل ذلك يشعر معظم مزارعي القطن بالقلق لعدم وجود أسواق مستقرة وواضحة تستوعب إنتاجهم وبأسعار عادلة. ويصرّ شهاب أن يوجه رسالة حادّة إلى هيئات المعارضة في الخارج، التي فشلت حتى الآن في إقامة هياكل تنفيذية تعتني بشؤون الزراعة والاقتصاد للسوريين الذين يعانون بشدّة في الداخل بمختلف مناطقه. ويتهم الجميع بالتقصير وإهمال شؤون الفلاحين. فهل من مجيب؟