روسيا بوتين تشبه الاتحاد السوفيتي الذي كان يحكمه بريجنيف: هل ستكون نهاية روسيا شبيهة بنهاية الاتحاد السوفيتي؟

أليكسي  باير
عن موقع   the Globalist  أيلول  2020
ترجمة مأمون حلبي

لدى بوتين رصيدٌ ضعيف بعد عشرين عاماً على وجوده في السلطة. أما اعتبار روسيا قوية فهو بمثابة سوء فهم خطير لوضعها الحقيقي، إن كان داخلياً أو على الساحة الدولية. 

طوال العشرين عاماً الأخيرة يُعتبر بوتين الرجل الأول في الكرملين. هذا يعني وجوده على رأس السلطة مدة تزيد عامين عن المدة التي أمضاها ليونيد بريجنيف زعيماً للاتحاد السوفيتي. بالطبع، بتغييره لدستور البلاد، أكد بوتين وجود رغبة جامحة لديه لأن يكون رئيساً مدى الحياة بحكم الأمر الواقع. لكن ثمة دواعٍ تقلقه. 

رصيدٌ كارثي

الاقتصاد الروسي في حالة فوضى وتخبط، والإحباط يتملك تدريجياً سكان البلاد، الذين كانوا على الدوام مطواعين. والشباب الروس، على الأقل الشريحة الموهوبة منهم، ينأون بأنفسهم غير مكترثين لما يحدث. في الوقت ذاته، يراقب العالم بتلهف الحقيقة الغريبة، حقيقة أن بيلاروسيا من بين كل الأماكن التي يمكن تصورها تُظهر شجاعة أهلية أكبر بكثير مما تُظهره روسيا.

توازيات غير مريحة

إن لم يكن بوتين يعيش في فقاعات أوهام الذات، عليه أن يعترف أن روسيا تحت قيادته تبدو شبيهة شبهاً كبيراً بالاتحاد السوفيتي في ظل قيادة بريجنيف عام 1979. في سبعينيات القرن الماضي، قام أندروبوف، الذي يُعتبر مُعلم بوتين في جهاز الاستخبارات السوفيتية، بقطع دابر حركة الانشقاق في الاتحاد السوفيتي. تم ذلك إما بسجن القادة الأبرز لهذه الحركة، أو بإرسالهم إلى عيادات العلاج النفسي. 

أكثر فتكاً من أندروبوف

مع أنه قد يكون من الصعب بالنسبة إلى أي إنسان متحضر تخيل ذلك، إلا أن بوتين كان أكثر قسوة ووحشية من معلمه السابق أندروبوف في الحصول على مبتغاه. فقد جعل قبض أرواح خصومه البارزين واحداً إثر الآخر عادة بالنسبة إليه. بوريس نيمتسوف أُردي قتيلاً بإطلاق النار عليه، والآن سُممَ اليكسي نافالني بما يسميه الأطباء الألمان الذين يعالجونه "نوفيجوك"، وهو نفس العامل المؤثر على الأعصاب الذي استُخدم في محاولة تسميم سيرجي سكريبال في المملكة المتحدة قبل عامين. ويبدو أن هذا العنصر الكيميائي)نوفيجوك( هو السُم الذي اختاره بوتين.

لا بريق عالمي

حتى وهو يواجه معارضة داخل البلاد، كان الاتحاد السوفيتي في مرحلته الأخيرة ما يزال قادراً على الإشعاع في الساحة الدولية. في ذلك الوقت، تلا الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا قيام أنظمة شيوعية موالية للسوفيت في القرن الأفريقي وأنغولا وحتى في نيكاراغوا، الباحة الخلفية للولايات المتحدة.

دبٌ بلا أسنان

وحتى في أوربا الغربية، كان ثمة انتصارات شيوعية هامة. أتتذكرون اقتراب الشيوعيين الأوربيين من الانضمام إلى الحكومات في إيطاليا والبرتغال وفرنسا ؟  وكانت كل من إيطاليا وألمانيا في حالة صراع مع حركات عنفية إرهابية تنتمي للجناح اليساري. لم تكن موسكو رسمياً تساند تلك الحركات، لكنها كانت مغتبطة بخصوص نشاطها. وكانت الولايات المتحدة واقعة في براثن لعنة حلًّت عليها، بكلمات الرئيس الأميركي وقتذاك جيمي كارتر، هذه اللعنة التي اشتملت على قلاقل اجتماعية وموجة خطيرة من الجرائم، وسلسلة من الأزمات الاقتصادية.

اللحظة الذهبية

بالإضافة إلى ذلك، الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن التي تلتها لم تظهر فقط عجز الولايات المتحدة الكامل، وإنما قدمت أيضاً مجالاً للاتحاد السوفيتي. عندما استخفَّت إيران بـ"الشيطان الأكبر" في أواخر سبعينيات القرن الماضي كان يبدو أن ما يلزم الاتحاد السوفيتي لكي يكسب الحرب هو فقط دفعة نهائية.

توحيد دول الاتحاد السوفيتي السابق عن طريق شل فاعلية أوكرانيا

النفوذ الذي يتمتع به بوتين من الناحية الجغرافية أضيق بكثير من النفوذ الذي كان للاتحاد السوفيتي. مع ذلك، ينظر بوتين إلى خريطة العالم بتفاؤل متجدد، ومشروعه الرامي إلى إعادة بناء الاتحاد السوفيتي يتواصل كما خطط له ببطء لكن بثقة. تعاني أوكرانيا ظروفاً تصب في صالح مشروع بوتين: رئيسٌ ضعيف يفتقر للخبرة، وحربٌ في إقليم الدونباس، ومشكلات اقتصادية حادة يفاقمها العدد المتزايد بشكل سريع لإصابات كورونا.

يبدو من المرجح أن الاتحاد الأوروبي سيساعد أوكرانيا بحزمة مالية هذه المرة من أجل تجاوز أزمتها. مع ذلك، إن أخذنا بعين الاعتبار التحديات الداخلية الهائلة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، فمن المحتمل أن يتوقف كرمه عما قريب، وكل ما على بوتين أن يفعله هو أن يجلس وينتظر سقوط أوكرانيا في أحضانه.

ابتلاع بيلاروسيا

في بيلاروسيا، يساند أتباعُ بوتين بكل حماسة الكسندر لوكاشينكو، ديكتاتور البلاد المديد. ولا بدَّ أن بوتين مسرور من أن مَيل لوكاشينكو فيما مضى لأن يلعب على حبال الخلافات بين روسيا والغرب من أجل تأكيد استقلاليته- قد انتهى. فها هو لوكاشينكو زاحفٌ إلى أحضان بوتين على يديه وركبتيه، وكله أملٌ أن روسيا ستنقذه من شعبه. قد يترك بوتين لوكاشينكو رئيساً صورياً، لكن -بدون حصول معجزة أهلية- ستصبح بيلاروسيا عاجلاً أم آجلاً جزءاً من روسيا بحكم الأمر الواقع.

ولايات متحدة مضطربة ومشوشة، مرة أخرى

تماماً كما في سبعينيات القرن الماضي، تعاني الولايات المتحدة من فوضى داخلية لا يستهان بها، وهذا أمرٌ لابد أنه يصب في صالح بوتين. يضاف إلى ذلك، أن سمعة الولايات المتحدة على المستوى الدولي في أدنى مستوى لها منذ حربها على فيتنام، وأن حلفاءها منهكون، وبالتالي عليها بشكل مُلِحٍ أن تركز على القضايا الداخلية.

نُذُرٌ غير مُبشِّرة

بوتين طليق اليد ليس فقط في منطقته حول روسيا، وإنما أيضاً في سوريا وليبيا وأماكن أخرى- وهي حرية تتجاوز حتى ما كان لدى بريجنيف في أواخر سبعينيات القرن الماضي. ولابد أن بوتين يفرك يديه مبتهجاً، لكن فرحه هذا قد يكون سابقاً لأوانه. عليه أن يتذكر أن النجاحات في النهاية أدارت رأس بريجنيف وملأته خيلاءً.

في عيد الميلاد عام 1979، غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان، فورَّط نفسه بما هو فوق طاقته، وأجهد اقتصاده أكثر من قدرته على الاحتمال، وهذا ما دفع السخط المتجهم داخل البلاد لأن يظهر بشكل علني. بعد عقدٍ من الزمن تقريباً، لم يكن ثمة وجود لبلد اسمه الاتحاد السوفيتي، و إمبراطورية أوربا الشرقية التي كانت تحت قبضته حلَّ بها الخراب. في ذات الوقت، تم إعادة توحيد ألمانيا من جديد، وماتت الشيوعية، وحققت الولايات المتحدة الأميركية -أقوى من ذي قبل- انتصاراً مدوياً في الحرب الباردة.