- الرئيسية
- مقالات
- ملف
رمضان في سوريا: صائمو إدلب بين القصف وانفجار الأسعار
تحمل أم عامر في يدها قبضة لاسلكية، بينما تجمع أبناءها الصغار وتحثهم للنزول إلى ملجأ تحت بيتهم، وذلك عند سماعها صوت طائرة حربية نفذت غارة جوية على سوق المدينة.
صوت انفجار الصاروخ الفراغي أثار الرعب في قلوب الأطفال الذين بدؤوا بالصراخ والبكاء، فيما تحاول الأم ضمهم إليها في محاولة لإسكاتهم وطمأنتهم دون جدوى. عائلة أم عامر كغيرها من أهالي ريفي إدلب وحماة يعود عليهم شهر الصوم هذا العام بالقصف والأوضاع الأمنية المتردية التي تهجّر في كل يوم مزيداً منهم، وذلك مع استمرار الحملة العسكرية الشرسة التي يخوضها النظام السوري وحلفاؤه على المنطقة، في محاولة منهم للتقدم نحو بعض القرى والبلدات بريف حماة.
أم عامر من مدينة كفرنبل تتحدث لعين المدينة عن معاناتها بالقول: "من المؤسف أن نقضي شهر رمضان بالخوف والرعب بسبب استمرار الغارات الجوية والقصف، ويبقى الهاجس الأكبر هو أن نجبر على ترك منازلنا والنزوح بسبب تقدم قوات النظام بريف حماة، وخوفاً من وصوله إلى مناطقنا لاحقاً"
كذلك أم أسعد من بلدة الهبيط تحضّر وجبة الإفطار على صوت القذائف التي تدوي بريف حماة، والطائرات التي تحلق في السماء لتجعل كل مدينة وقرية في المنطقة هدفاً محتملاً لصواريخها المدمرة للأرواح والممتلكات.
تصف أم أسعد معاناتها فتقول: "يمر علينا شهر رمضان هذا العام بالألم والحزن والمصير المجهول، فنحن لا نستطيع النوم ليلاً بسبب تناوب الطائرات الحربية والمروحية على قصف المنطقة، علماً أن معظم أهالي البلدة نزحوا عنها، ولم يبقَ سوى من ينتظرون الموت، ولا طاقة لهم على تحمل قسوة النزوح ونفقاته."
الحزن والأسى مصير أم علي من معرة النعمان التي فقدت زوجها وولدها منذ أيام إثر غارة حربية على السوق الشعبي قبيل موعد الإفطار بقليل، تقول أم علي والدموع في عينيها: "أتمنى من الله أن يلهمني الصبر على فراقهما، فالحياة في نظري أصبحت جحيماً لا يطاق، كما لا نعلم ماذا يتنظرنا في الفترة المقبلة أو الوجهة التي نسلكها، لأن هذا البلد لم يعد صالحاً للسكن بسبب إجرام الأسد وأعوانه" مضيفة وهي ترفع يديها إلى السماء: "ربنا ينتقم منهم ويأخذ حقنا عن قريب."
وتزامناً مع النزوح والمعارك المشتعلة يحل شهر رمضان على الأهالي في الشمال السوري مع الغلاء الفاحش في الأسعار، واختفاء المظاهر الرمضانية أمام قلة الدخل المادي وندرة فرص العمل، مما أدى إلى تغيير النمط الغذائي في هذا الشهر لدى معظم العائلات، والاستغناء عن كثير من السلع التي اعتادوا عليها خلال السنوات الماضية.
وليد العلوان من مدينة خان شيخون، يعيل أسرة مكونة من سبعة أشخاص، يقول: "أصبحنا نقتصر في شراء حاجياتنا على ما يسد الرمق في اليوم الواحد، حيث يخشى الناس من الذهاب للأسواق بسبب ما تتعرض له من قصف يومي، ناهيك عن ارتفاع الأسعار، الأمر الذي أدى إلى غياب العادات والتقاليد التي كانت سائدة في أشهر رمضان السابقة، كدعوة الناس لبعضهم البعض على الإفطار، والسهرات العائلية مع الأقارب والجيران، ووضع أصناف متعددة من الطعام على مائدة الإفطار، فضلاً عن تبادل صحون المأكولات بين أهالي الحي."
ويضيف العلوان متحدثاً عن أسباب ارتفاع الأسعار: "ارتفاع أسعار الخضروات واللحوم يزيد العبء على المواطن الفقير، وذلك مع غياب الرقابة وعدم تسعير المواد الغذائية منعاً لعمليات التلاعب من قبل ضعاف النفوس، أمام جشعهم وسعيهم الدائم للحصول على أرباح إضافية."
بالمقابل تقضي الكثير من العوائل النازحة شهر رمضان في الأراضي الزراعية وبين أشجار الزيتون المتاخمة لمناطقهم بسبب المعارك المشتعلة.
أبو وائل نزح مع أسرته من بلدة كفرنبودة لتصبح الأراضي الزراعية مستقراً لهم، يتحدث لعين المدينة عن معاناته في رمضان بقوله: "خرجنا بأرواحنا من جحيم القصف، وأصبحت الأراضي الزراعية المكان الجديد لسكننا، نعاني فيها من الحر وانعدام الخصوصية، ناهيك عن نقص المياه والمساعدات الغذائية."
يتحسر أبو وائل على تركهم للأراضي الزراعية قبل جني محاصيلها بأيام، مما أفقدهم مصدر الرزق الأساسي لهم هذا العام، ويردف: "تعب سنة كاملة ضاع سدى؛ أملك أرضاً زراعية تقدر بحوالي 10 دونمات، وعدد من رؤوس الأغنام، ومع اشتداد القصف اضطررت لبيع الأغنام، وترك الأرض الزراعية والنزوح."
على مقربة منه يقيم الستيني وليد المحمد الذي نزح من مدينة خان شيخون ليقيم في العراء أيضاً، يتحدث عن صعوبة رمضان هذا العام بقوله: "بعد نزوحنا من منازلنا أصبح همنا الوحيد هو تأمين أبسط أساسيات الحياة، حيث أعاني من أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم ولا يوجد هنا نقاط طبية قريبة، كما نحتاج إلى خيام تأوينا من حرارة الطقس."
ويضيف بحرقة: "استشهد أحد أبنائي فيما هاجر البقية إلى دول الجوار، وبقيت مع زوجتي نعيش على أمل أن يعودوا بالسلامة ونراهم قبل أن يدركنا الموت" مشيراً إلى أنه:" فيما مضى كانت الولائم تلم شملنا على مائدة الإفطار العامرة بالبهجة والسعادة، واليوم أصبح جمعنا على مائدة واحدة مستحيلاً، وهذه حال معظم الأسر السورية التي تشتت بين نازح وقتيل وسجين."
النزوح والتشرد عنوان رمضان جديد يقبل على الأهالي في الشمال السوري، ولا تزال معاناتهم مستمرة بعد أن تكالبت عليهم صعوبة الظروف المعيشية وشح المساعدات الإنسانية وانعدام الأمان