رفعت الأسد... مات... لم يمت

فيما نضع اللمسات الأخيرة على هذا العدد راجت إشاعة عن وفاة رفعت الأسد، عم «الرئيس» السوري الحالي وشقيق السابق، ونفاها الكثيرون لأنها لم تصدر عن جهات موثوقة. ولكن ما معنى موت رفعت أو حياته؟!

منذ صعود الشقيقين، حافظ ورفعت، إثر استيلاء البعث على السلطة في الستينات، وخاصة بعد سيطرة الأول على الحكم عام 1970؛ تقاسما أدواراً تليق بشخصية كلٍّ منهما، فكان حافظ «رجل الدولة» المسؤول عن إدارتها وفق شكل ما من السياسة والقانون، ولبس الشقيق الأصغر دور «رجل العصابة» الذي يعتدي وينهب ويستبيح، حتى كبرت مافياه «سرايا الدفاع» وأصبحت جيشاً موازياً بامتيازات خاصة وأذرع مدنية تنافس «الدولة»، فأقصاه أخوه.

ومنذ ذلك الوقت، في أواسط ثمانينات القرن الماضي، لم تعد لرفعت قيمة فعلية، وإن تكرست «رمزيته» باتجاهين؛ فهو، عند موالي النظام من حاضنته الاجتماعية، بطل مطلق اليدين من «وعثاء الدولة»، يستذكرون معه «الزمن الجميل»، أيام التنمّر على الناس وإذلالهم ونهب بيوتهم وأرزاقهم دون حسيب أو رقيب. وعلى الضفة المقابلة هو رمز للإجرام ذاته ولكن من وجهة نظر الضحية، فهو «بطل» مجازر عديدة، لا تبدأ بالمعتقلين العزّل في سجن تدمر ولا تنتهي بأهالي حماة.

في السنوات الأولى من حكم بشار بلغت صورة رفعت أقصى درجات انحدارها، مع إظهار ابن الأخ ميله إلى «الدولة»، وتخبّط العم في دعاوى معارضة ديمقراطية مضحكة، لم تقنع مواليه فضلاً عن أعدائه.

ولكن الأمر اختلف مع الثورة، عندما أخذت أصوات موالية موتورة تدعو إلى سرعة «الحسم» والاستباحة واستخدام أشد أنواع الأسلحة، وشاع، بين هؤلاء، أن «القائد» (رفعت) لو كان في الحكم لما تجرأ أحد على رفع رأسه في مواجهة «البوط العسكري» ومشتقاته.

ولكن هذه مرحلة أصبحت وراءنا، بعد أن تطابق النظام مع جمهوره وأتحفهم بالكيماوي والسكود والبراميل الملقاة على المناطق الثائرة. وتطوّع للعب دور رفعت كثيرون كثيرون، منذ ابن أخيه ماهر وحتى رؤساء مجموعات تشبيحية لا تكاد تحصى ولا يستطيع ما تبقى من «دولة» أن يضبطها.

لقد تكاثر رفعت... ووُلد مجدداً عشرات آلاف المرات من رحم العدوانية نفسها والجنون نفسه, فأي معنى بقي لوفاة ذلك العجوز التراثي، بلحيته المحناة وتجاعيد وجهه، أو لحياته؟!!