"دكتور رضوان السالم... ما كنت أريد قوله لك... إنك تشبه مدينتي الجريحة".
"حلمت الليلة الفائتة بالدكتور رضوان وقد خرج بخير من سجون داعش، وفرحت كثيراً برؤيته، حتى أننا التقطنا صورة سوية لنشرها وإخبار الشباب بخروجه سالماً معافى ..رغم تأكيد الكثير خبر استشهاده إلا أنني لا أزال فرحاً بالمنام".
هي أمنياتٌ ورسائل يكتبها محبّو رضوان السالم يومياً على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، بأن يخرج سالماً من ظلمات سجون داعش، رغم علمهم أن احتمال قتله تحت التعذيب، أو إعدامه، أرجح بكثيرٍ من احتمال بقائه على قيد الحياة. فداعش لن تترك "النشمي"، "الشجاع"، "المؤدب"، "الطيب"، "الشريف"، حسبما يجمع عارفوه، يفلت من قبضتها. هذا الرجل خطرٌ بالفعل على التنظيم لأنه، ببساطةٍ، يقدّم نموذجاً مثالياً من لحمٍ ودمٍ للقائد الثوريّ المخلص للثورة حتى النهاية.
رضوان السالم، الصيدلانيّ، وابن حيّ "الحويقة" الواقع بين فرعين لنهر الفرات، كان مثل ماء هذا النهر، لا يعرف الاستكانة أو العودة الى وراء. تظاهر منذ الأيام الأولى متحدّياً أجهزة الأمن. عالج الجرحى. واكب كتائب الجيش الحرّ في أول تشكلها، وكان في المقدمة مقاتلاً في معارك تحرير الحويقة. عمل في إغاثة أسر الشهداء. دعم أعمال المجلس المحليّ ودافع عن شرعيته. كان حاضراً في الدفاع عن الناشطين المتضرّرين، مطالباً عنيداً بحقوق المدنيين، محافظاً على أموال الناس وأملاكهم. لم يشفع له مقتل خمسةٍ من أفراد أسرته بصواريخ الأسد، ولا بقاء أمه وحيدةً تسأل القريب والبعيد أخباراً عنه. ولم تشفع له قراءته المتواصلة للقرآن الكريم، ولا صلواته، عند من زعموا نصرتهم الإسلام أو إقامتهم دولته.
بعد جهودٍ حثيثةٍ، في الأيام التي ضربت فيها الفوضى تشكيلات الجيش الحرّ وتشرذمت الفصائل إلى مكوّناتٍ صغيرة، نجح "الدكتور" -مع بعض القادة المخلصين- في توحيد كتائب كثيرةٍ تحت مسمّى "تجمع المجاهدين"، في شباط 2014، أي قبل دخول داعش بستة أشهر. الأمر الذي أغاظ من يعُدّون الثورة مقاولةً خاصّةً في الدين والسياسة، ويطلقون على جماعاتهم أسماء ثوريةً، من حديثي أسلمةٍ آنذاك، ومبايعين سرّيين ثم علنيين في وقتٍ لاحق. فأطلقوا عليه وصف "العلماني الأول في المدينة"، وكفّروه قبل أن تكفّره داعش، لا حباً بالدين بل إجهاضاً لمشروعٍ عسكريٍّ مخلصٍ نابعٍ من الأرض كان سيكفّ أيدي جامعي التبرّعات من الخليج عن العبث بثورة مدينة دير الزور.
رفض "الدكتور" الخروج من المدينة بعد سيطرة داعش، وآثر البقاء مكملاً طريقه في مواجهة النظام، ورأى أن التنظيم حدثٌ عارضٌ لا بدّ أن يزول. لم يشأ الرحيل لأنه هزيمةٌ بالنسبة إليه، وهذا ما لا يعرفه هذا الثائر المبتسم المتفائل دوماً، وهذا أيضاً ما لا يحتمله كيانٌ همجيٌّ مجنونٌ مثل داعش. وربما لعبت وشايات المتظاهرين بالتدين والمتلوّنين حسب سطوة راياته دورها في اعتقاله. فبعد أسبوعٍ فقط من اجتياح داعش دير الزور خطف ملثمون رضوان السالم في شارع التكايا أمام أعين الناس. ومنذ ذلك الوقت، في آب من العام الماضي، ما زال مصيره مجهولاً حتى الآن.
في اليوم الأوّل لدخول داعش المدينة قال رضوان لناصحيه بالرحيل: "أنا طلعتو بالثورة، وظليتو بالبلد، وراح أموت بهالبلد".
شهادة في رضوان السالم:
"صادق أمين كريم شجاع مثقف يتفانى لعمل الخير وللبلد. عنوانه العمل ومكانه في كلّ مكانٍ فيه خير. خسرنا بفقده الكثير. أسأل الله أن يجعله في عليين.. ذلك هو الرجل الفذ الدكتور رضوان السالم، والرجال قليل".
رئيس سابق لمجلس دير الزور المحليّ.