- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
دورا أوروبوس مدينة التسامح.. الأعجوبة السورية على الفرات
عدسة حسن | خاص عين المدينة
تامر الناصر - نوار فناد
إلى الشرق من دير الزور، على مسافة 90كم وعلى ضفة الفرات اليمنى، تقع المدينة السورية دورا أوروبوس في منطقة الصالحية على مقربة من مدينة البوكمال، بين هضاب ثلاث ووادٍ توسطتها دورا أوروبوس كمحطة هامة وأولى في سوريا على طريق الحرير القادم من الصين إلى حمص فالسواحل السورية على المتوسط.
جاء اكتشاف المدينة عام 1920 بمحض الصدفة أثناء المعركة بين القوات الإنكليزية والعثمانية وأثناء قيام الكتيبة الهندية بحفر خنادق للقتال لتعثر على تماثيل وقطع أثرية ليتم بعدها التنقيب واكتشاف المدينة بأكملها، ويعود أصل التسمية إلى السلوقيين الذين حكموا المدينة عام 300 ق.م، وهو مؤلف من كلمتين: دورا بالآشورية وتعني «الحصن» وأوروبوس وهي مسقط رأس سلوقس الأول. يحيط بدورا أوروبوس سور يمتد على طول 1000م بالقرب من الفرات يتخلله عدة أبواب أشهرها باب تدمر من جهة بادية الشام هذا السور الذي لم يمنع من تدمير المدينة عندما هاجمها الساسانيون ودمروها عام 256م.
ما أن تدخل دورا أوروبوس حتى تطالعك معابدها الكثيرة والمتنوعة ولعل أهمها الكنيسة (المنزلية) التي تعتبر من أقدم كنائس العالم والتي عثر بداخلها على الرسم التصويري الأقدم للسيد المسيح و الذي يصور معجزة الشفاء، وهو موجود اليوم في جامعة يالي الأمريكية في نيويورك. كما تشاهد في المدينة الأسوار والأبراج الستة والعشرين والبوابات الثلاث إضافة إلى القلعة وعدد من القصور (قصر القلعة، قصر الحاكم، قصر حاكم النهر) والشارع الرئيسي المُعَمَّد والساحة المركزية وخمسة حمامات رومانية وسبعة عشر معبداً، أهمها معبد بِلْ ومعبد أرتميس وأثرغاتس والبيت المسيحي الأقدم في العالم والكنيس اليهودي المحلي، والتي زُينت بمعظمها برسوم جدارية تظهر النزعة الطبيعية والفنون الطقسية المرتبطة بالأصول الإغريقية لفن الأيقونة. كما عثر على الكثير من التماثيل والمنحوتات، كتمثال الإلهة أفروديت فوق درع السلحفاة، ومنحوتة الإله آرشو ومشهد الإله بل. وكذلك عُثر على العديد من المخطوطات الرقية والنقود المعدنية وأشلاء من ورق البردي والنقوش الكتابية الحجرية، بالإضافة إلى قلعة محصنة ومسارح وأسواق وغيرها من الصروح الأثرية والتي تعطي دلالات واضحة لا لبس فيها عن قيام حضارة مدنية كانت تحمل التسامح في تعاملها بالرغم من التنوع العرقي والاجتماعي والديني لأهالي المدينة والذين تعود أصولهم إلى عدة أعراق كالبابليين و التدمريين والبربر والسريان وهذا ما يؤكده وجود 5 ديانات مجتمعة في تلك الحقبة من تاريخ المدينة تعايشت بسلام وود ومارست طقوسها الدينية التي تؤمن بها.
والجدير بالذكر حصول مدينة دورا أوروبوس على جائزة كارلو سكاريا الدولية للمنتزهات الأثرية لعام 2010 في العاصمة الإيطالية وجاء في بيان لجنة التحكيم أنها قررت بالإجماع تخصيص جائزة الدورة الحادية والعشرين إلى دورا أوروبوس. وعن أسباب منحها الجائزة، تقول اللجنة: "إنها تبدو شرفة مدهشة على ضفة نهر الفرات، وملتقىً خصوصياً في الجغرافيا والأديان في تاريخ سورية عبر آلاف السنين. وقد جمعت عبر الزمن بصمات رفيعة وفريدة النوع لحضارات مختلفة".
وفي هذا الوقت يعود غزو جديد يحاول تدمير دورا أوروبوس وطمس ما بقي من آثارها ومعالمها. وكغيرها من المواقع الأثرية في سوريا تتعرض دورا أوروبوس يومياً لأعمال النهب والسرقة والتنقيب العشوائي بقصد الاتجار بآثارها وتهريبها، خاصة في ظل غياب الحماية المطلوبة من الجميع لما لهذا الصرح الأثري من أهمية تاريخية وإنسانية، والذي يشكل شاهداً حياً على ما قدمته هذه المنطقة من إغناء لمجالات الحضارة الانسانية.