داريا اليوم تحت حكم الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية .. ضابط في الفرقة الرابعة يقتحم قسم الشرطة ويضرب رجلاً وزوجته

متداولة على الانترنت من مدينة داريا

عبر 5 حواجز ونقاط تفتيش تتوزع على مداخل مدينة داريا، تفرض الفرقة الرابعة بجيش النظام رسوماً وأتاوات باهظة على كل ما يدخل المدينة، أو يخرج منها من مواد وأدوات سواء كانت جديدة أو مستعملة.

ف"ترسيم" مدفأة قديمة قد يصل إلى 30 ألف ليرة، وترسيم صندوق خضار قد يصل إلى 40 ألف، وترسيم بطارية كهربائية قد يصل إلى 100 ألف. وعندما تمر حافلة ركاب صغيرة من تلك الحواجز، يدقق العناصر بحجم الأكياس التي يحملها الركاب بحثاً عمّا يمكن فرض الأتاوة عليه. "لازم تدفع" يقول شخص من أبناء داريا لعين المدينة  "لو شايل كيس برغل وزنه 5 كغ لازم تدفع، وإلا بيصادروه أو ينزلوك وتتبهدل"..

ضاعفت الرسوم التي تفرضها الفرقة الرابعة أسعار المواد الضرورية، وعطلت محاولات الكثير من الأهالي ترميم منازلهم المدمرة، واكتفى بعضهم بترميم غرفة واحدة أو غرفتين من المنزل؛ ساهم في هذا التعطيل أيضاً القيود الأمنية والإجرائية التي فرضتها المخابرات الجوية، التي تتقاسم مع الفرقة السيطرة على المدينة.

يحفظ سكان داريا أسماء من يعدّون بمثابة حكام فعليين ومباشرين لهم من ضباط الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية، ومن الفرقة يبرز اسم المقدم فهد العلي الذي تنحصر سلطته بداريا، ورئيسه العميد ياسر سلهب، ومن الجوية يبرز اسم الرائد سومر ديوب مسؤول الدراسات، والعميد حسن عيسى. لجميع هؤلاء مصالح مادية خاصة، يديرها سماسرة وشركاء محليون؛ إما في مجال تجارة العقارات والاستيلاء على أملاك الغائبين، أو في مجال تجارة المخدرات التي يعود معظمها للفرقة الرابعة، أو في قضايا المعتقلين.

انطلاقاً من هذه المصالح فضلاً عن الوظيفة يحدد كل ضابط أسلوب تدخله في شؤون داريا، غير أن الأكثر تدخلاً بسبب أو بدون سبب في الشؤون اليومية للسكان هو المقدم فهد العلي الذي يوصف بالطيش والغرور، ففي إحدى المرات وعندما سمع بحادثة شجار بين أسرتين، اقتحم قسم الشرطة التي تدخلت للتحقيق في الشجار، وضرب رجلاً من المتشاجرين وصفع زوجته. وأمر في حادثة أخرى باعتقال امرأة أثناء مرورها بأحد حواجز الفرقة بتهمة حيازة 100 دولار، ولم يطلق سراحها إلا بعد أن قبض رشوة كبيرة من عائلتها.

قد تقود الصدفة السيئة أو تقرير كيدي مهما كانت درجة غرابته ولا منطقيته إلى الاعتقال، فأثناء مراجعة رجل مسن من داريا مؤسسة حكومية ورده اتصال عبر تطبيق واتساب من أحد أبنائه اللاجئين في تركيا، استغرق الاتصال أقل من دقيقة، واستغرق توقيف الرجل لدى المخابرات الجوية عدة ساعات، بعد تلقيها تقريراً من أحد المخبرين بأنه يصور مقاطع فيديو، ويرسلها لوسائل إعلام معارضة. وبالطبع لم يخرج المسن من المعتقل إلا بعد دفع رشوة كبيرة عبر سمسار للعميد حسن عيسى.

قبل الثورة كان عدد سكان مدينة داريا 250 ألف نسمة تقريباً، خلال الحرب وانتهاء بالتهجير وسيطرة النظام في 2016 أفرغت المدينة كلياً من السكان، وبالتدريج بدءاً من النصف الثاني للعام 2019 عاد 50 ألفاً تقريباً إلى المدينة. تحبط الممارسات القمعية والابتزاز المالي وتعطل الخدمات العامة، آمال هؤلاء العائدين، ما دفع ببعضهم إلى الرحيل مجدداً.

يقول تاجر سابق من أبناء داريا لعين المدينة، أنه اضطر إلى العمل أجيراً في أعمال البناء، وأنه لم يعد قادراً على التحمل، "لما يكون في شغل يوميتي 25 ألف، يعني ولا شي، وفوقها ممكن أتجرجر بأي لحظة للمخابرات، ما بقى لي خبزة هون، عم فكر أترك هالبلاد". فكرة الرحيل التي أخذت تلح على التاجر السابق، أقدم عليها الكثير ممن عادوا إلى داريا بعد سيطرة النظام، قبل أن يغادروا إلى لبنان أو مصر أو أربيل، مثل محمد الذي يقيم اليوم في لبنان.

قبل الثورة كان محمد مقاولاً يقدر رأسماله ب 300 ألف دولار، تبددت هذه الثروة خلال الحرب بين ما سرق من معدات ثقيلة، أو حرق ودمر تحت القصف. وبعد رحلة نزوح طويلة ومريرة حينذاك في ريف دمشق، عاد محمد إلى داريا مفلساً في 2022، وعمل سائقاً في أحيان وحمالاً في أحيان أخرى، وعجز في النهاية عن البقاء. يقول محمد "رجعنا عالبلد وقعدنا بغرفتين مدمرين، وقلنا بلكي تتحسن الأحوال شوي شوي، ما تحسن شي بالعكس كل شي صار أسوأ". وبالرغم من أنه يصنف نفسه كحيادي إلا أنه اعتقل مرتين، وكما في الحالات الكثيرة الأخرى، يجب أن تدفع رشوة كبيرة لضباط المخابرات مروراً بالسماسرة الذين أصبحوا الشريحة الأوسع ثراء في المدينة.