- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
حي جوبر منطقة عسكرية يخيم عليها شبح التجريف والاستملاك
يسود الغموض مصير حي جوبر حتى اللحظة، مع إمكانية منح النظام الأفضلية لشركات قابضة مملوكة لشخصيات تابعة له لتولي عملية إعادة إعماره، مع التخوف من تغيير سكاني طائفي يكمل خلق حزاماً شيعياً يحيط بدمشق من جهاتها الأربع.
يقع حي جوبر شرق سور دمشق القديمة، يحفه من الشمال نهر تورا ومن الجنوب نهر بردى، ومن الشرق عين ترما وزملكا ومن الغرب سور دمشق القديمة. ويعتبر أحد أشهر بؤر الثورة السورية، فمنذ انطلاقتها كان حي جوبر من أوائل المناطق الثائرة والمبادرة للخروج بالمظاهرات، وكان من الأحياء التي قدمت باكورة شهدائها في يوم الجمعة العظيمة 22/ 4/ 2011 لذلك كان أول الأحياء الدمشقية التي التحقت بالثورة المسلحة بعد إمعان النظام بسفك الدماء، وتم تحريره من سيطرته بالكامل في صيف عام 2012، ليتبعه بعد ذلك تحرير حواجز النظام على طول المتحلق الجنوبي بداية عام 2013 في كل من حرملة وجسر زملكا، وتبع ذلك حملة قصف جوي ممنهج تجاه السكان المدنيين أدى لنزوح معظم سكان جوبر، فأصبح خاوياً على عروشه.
يضاف إلى جوبر إدارياً كل من الزبلطاني والمامونية وشارع فارس الخوري، بالإضافة إلى السمرة التي تضم ملعب العباسيين بجوار ساحة العباسيين الشهيرة، لكن النظام دأب من خلال إعلامه على تصوير جوبر على أنه بلدة ريفية ليحفظ ماء وجهه عن القول بأن الحي الخارج عن سيطرته حي دمشقي يمتد إلى مساحة مهمة من دمشق العاصمة، التي لطالما صور إعلامه كيف تنعم بالهدود على طول السنوات الماضية.
في الحملة العسكرية الشرسة الأخيرة على الغوطة الشرقية، اقتحم النظام الغوطة من خلال الالتفاف على جوبر، ولم تطأ قدم جندي للنظام أرض جوبر إلا بعد تهجير آخر مقاتل من هناك، فخلو حي جوبر من معظم سكانه ونزوحهم إلى خطوط الغوطة الخلفية جعل من الحي قلعة حصينة أعيت النظام على مدار ست سنوات. عجزت كل حملات النظام العسكرية عن اقتحام الحي رغم ما تملكه من عتاد عسكري متفوق وإسناد من سلاح الجو الروسي، إضافة لاستخدام السلاح الكيماوي صيف عام ، وقد أبدع ثوار جوبر في الدفاع عن حيهم عبر شبكة معقدة من الأنفاق والدشم أبهرت العالم لحظة اكتشافها، لكن الحكاية لم تنته، فحي جوبر دخلته قوات النظام وجعلت منه منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت الأهالي من الدخول إليه.
مصادر أهلية من سكان جوبر أفادو بأن النظام منع عليهم حتى دخول بيوتهم وتفقد ممتلكاتهم، وهي على ما هي عليه بعد التدمير الممنهج نتيجة القصف الجنوني الذي ذاقه حي جوبر على مدى ست سنوات. يقول عاصم أبو أحمد وهو من أهالي الحي: "جميع مساكن وعمارات ومساجد جوبر مدمرة تماماً، والنظام حتى هذه اللحظة يمنعنا من الدخول بحجة أنها منطقة عسكرية وفيها خريطة أنفاق معقدة تحمل أهمية استراتيجية" وكان رئيس النظام السوري قد زار أحد تلك الأنفاق بعد أن قام نحاتون مؤيدون له بنحت لوحات تمجد النظام ورموزه على جدران أحد الأنفاق، في محاولة من النظام لسرقة إصرار وجهد سنوات طوال من العمل الشاق للثوار عندما حفروا الأنفاق بأدوات بسيطة.
يتألف الحي القديم من أبنية أثرية تاريخية أهمها جامع جوبر الكبير وحمام جوبر التاريخي، بالإضافة للكنيس اليهودي ومقام الخضر ومقام الأصمعي الذي سمي سوق جوبر باسمه. ويتشكل حي جوبر أيضاً من تجمع عدة حارات أهمها حارة العمادية والصفصافة والخرار وبستان القباني والجدياني والحارة الشرقية وبداير جدية والمحاريق، بالإضافة للمحافر التي يقع بجوارها جامع الصاحبي حرملة بن الوليد أخو الصحابي خالد بن الوليد. مصدر في دمشق أفاد بأن النظام الآن يعمل على تجريف جميع المساكن وهدمها عن آخرها، وقد وضع يده على مساحات شاسعة من الأراضي على جانبي المتحلق الجنوبي في ما سمي الحزام الأخضر، حيث إن مسافة الاستملاك والتجريف امتدت حتى 120 متراً على طرف المتحلق، وطال التجريف حتى أماكن وقفية مثل الجوامع، فجامع الرحمة في بداير جدية وجامع العدنان قرب جسر زملكا طالها التجريف.
يشعر الأهالي بالقلق الشديد حيال هذه الأخبار، في الوقت الذي يسود الغموض تصرفات النظام ومشاريعه، خصوصاً بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 2018، القاضي بجواز "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية"، وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، ليتضمن إعادة تنظيم السجلات العقارية وتثبيت ملكيات المواطنين ومخططات تنظيمية، مطالباً شريحة واسعة من السوريين بتقديم ما يثبت ملكيتهم العقارية خلال فترة محدودة، بالتالي قد يحرم هؤلاء السوريون -خاصة الملاحقون أمنياً- من ملكياتهم العقارية الخاصة.
وكان النظام قد عمد في وقت سابق إلى استملاك وتجريف حي بساتين الرازي في المزة، وتسلمت شركات قابضة تابعة له مشروعاً في ذلك الحي أطلق عليه (ماروتا سيتي).