حرب "الكهرباء" والأحزمة الناسفة.. تكتيكاتٌ جديدةٌ في الجبهات لتركيع الأسد

عدسة حسين | القلمون | خاص عين المدينة

حقق ثوّار الساحل السوري تقدماً نوعياً الشهر الفائت، بعد فشلهم في ذلك في آب من العام الماضي. إذ قلبوا الطاولة على النظام من الناحية العسكرية، بعد نشوة الأسد بنجاح ميليشيا حزب الله الشيعي اللبنانيّ في تدمير يبرود، آخر المدن الكبيرة التي شكلت معاقل للثوار في منطقة القلمون. فقد اتبع الثوّار تكتيكاً مغايراً للتجربة الفاشلة

السابقة في تحرير قرى الساحل التي تقطنها أغلبيةٌ من الطائفة العلوية الموالية للأسد.

جبهة الساحل: زحف الغابات

أبرز النقاط التي استند إليها الثوار في تحقيق الانتصار وتحرير معبر كسب الحدودي مع تركيا بريف اللاذقية، وهو آخر المعابر التي يسيطر عليها النظام على الحدود التركية، هو عنصر المباغتة، والانسلال إلى داخل الكتل والمنحدرات الجبلية عبر مجموعاتٍ عسكريةٍ صغيرة، مستغلين الغابات الكثيفة للتمويه، ثم التقدم السريع بمجموعاتٍ كبيرةٍ والانقضاض على المفارز والتجمعات العسكرية للشبيحة من أبناء القرى المجاورة.
وتعتبر معركة "الأنفال" في الساحل، التي أطلقها الثوار لتحرير كسب، من أكثر المعارك حسماً ووضوحاً في الأهداف في تلك المنطقة. ونجم عنها تخبطٌ عسكريٌّ وأمنيٌّ في بنية النظام العسكرية والأمنية في مدن وأرياف الساحل الموالية، ولا سيما بعد أن بدأت طلائع صواريخ "غراد" تضرب القرداحة مسقط رأس الأسد، ما أدّى إلى هبوطٍ في معنويات الموالين له في بيئته الحاضنة، وكذلك إلى انتشار حالةٍ من الفوضى والذعر في صفوف مليشيات الأسد بمدينة اللاذقية أكبر مدن الساحل، خصوصاً بعد تمكن الثوّار من قتل هلال الأسد، قائد جيش الدفاع الوطنيّ وابن عم رأس النظام.
وأبرز النقاط التي حرّرها الثوار بشكلٍ كاملٍ هي: معبر كسب الحدودي، مخفر الصخرة، مخفر كسب الرئيسي، مخفر جبل الأقرع، مخفر نبع المر، جبل النسر، مخفر السمرا، قرية السمرا. بعد أن ألحقوا بالنظام خسائر بشريةً كبيرةً أدّت إلى تذمّرٍ بين أبناء الطائفة العلوية، رافعين شعاراتٍ تطالب بحماية أبناء الطائفة وعدم تركهم يتعرضون للهزائم في معاقلهم.

جبهة حلب: قطع شريان الطاقة

يرى محللون عسكريون أن تقدّم الثوار في جبهة الساحل وتحرير كسب قد أدى إلى الدفع بجبهات سوريا الأخرى للتوقَّد والتقدّم، كما في حلب. فبحسب أدبيات العلوم العسكرية يمكن أن تنتقل الانتصارات بالعدوى من جبهةٍ إلى أخرى إذا ما تمّ استثمارها بشكل جيد. وقد حقق الجيش الحرّ في جبهة حلب تقدماً نوعياً بموازاة معارك كسب في الساحل، فشنّ الثوّار هجماتٍ قويةً ومنظمةً على مواقع تمركز قوات النظام في حيّ "الليرمون" الإستراتيجي، وتمكنوا من نقل سلاحهم الثقيل من دباباتٍ ومدافع إلى مواقع أقرب إلى المدى المجدي للقذائف، وذلك لتحقيق فاعليةٍ حقيقيةٍ بضرب مقرّ المخابرات الجوية في "جمعية الزهراء"، الأمر الذي أجبر عناصر النظام على ترك مواقعهم والانتشار العشوائيّ، وانسحاب عناصر "الدفاع الوطني" إلى مبانٍ أكثر تحصيناً، تاركين لواء القدس الشيعيّ يقاتل وحيداً. وهذا الأمر سرّبه بعض الجنود المنشقين الذين تمكنوا من استغلال حالة الفوضى في صفوف جيش النظام. وبذلك حقق ثوّار حلب انتصاراً ميدانياً ساحقاً رغم محدوديته جغرافياً، وكذلك وجّهوا ضربةً معنويةً في صفوف النظام، إلى درجة أن بعض منظري الشبيحة في دمشق قد أطلق على جبهة حلب لقب "جبهة الجبناء والخونة"، في إشارةٍ منه إلى كتائب الأسد التي لاذت بالفرار.
وفي تكتيكٍ عسكريٍّ جديدٍ على صعيد مواجهة قوات النظام المتحصنة في مدينة حلب، لجأ الثوار مؤخراً إلى استراتيجية "حرب الكهرباء"، وتتمثل بقطع الطاقة التي يستفيد منها النظام داخل المدينة. على الرغم من الانتقادات الموجهة لهذا التكتيك، بحجة أنه من الممكن أن أن يتأذى منه المدنيون الذين يسكنون في أحيـاء تقع تحت سيطرة النظام ولا يأبـــه بهم أساساً.

حمص: تكتيك الأحزمة الناسفة

يؤكد الكثير من الناشطين على أن جبهة حمص هي الأقل إمداداً وتسليحاً من بين معظم الجبهات السورية المشتعلة. ويرجعون ذلك إلى عدّة أسباب؛ بدءاً من المؤامرات وتصفيات الحساب بين الفصائل المتعددة في الريف الشماليّ المتصل مع ريف حماة وبعض المناطق الشرقية والجنوبية الغربية لحمص، وانتهاءاً بأوامر من جهاتٍ داعمةٍ تقضي بتفضيل جبهاتٍ أخرى أكثر فاعلية، لا سيما أن قوّات النظام رسخت نفوذها حول قرى حمص وأحكمت إغلاق المدينة.
وتبقى أحياء حمص القديمة (باب هود، الحميدية، باب الدريب، الصفصافة، باب التركمان، السوق القديم، وادي السايح)، والممتدّة على مساحة 4 كيلومتر مربع، الأكثر صموداً على مدار 24 شهراً من الحصار، على الرغم من همجية القصف الجويّ اليوميّ، واستنزاف الكثير من المقاتلين داخل أسوار المدينة. وكشفت الحملة العسكرية الأخيرة التي شنها النظام على المدينة القديمة منذ أسبوع أكاذيب السيطرة على المدينة بالكامل، كما كان يروّج عبر وسائل إعلامه. فقد لمعت أحياء البغطاسية وجورة الشياح والقصور عبر مناوشاتٍ مستمرةٍ تمارس تكتيك "قتال الشوارع" مع اعتماد السريّة في التحرك بمقاتلين مزوّدين بصواريخ محمولةٍ على الكتف وأسلحةٍ خفيفةٍ وقنابل أرعبت ميليشيات الأسد المسترخية منذ أشهر، معتقدةً أن تلك الأحياء باتت خاليةً من الثوار.
واتبع ثوّار حمص تحت وطأة القصف المتواصل للنظام "حرب الأحزمة الناسفة"، وهو تكتيكٌ جديدٌ من حيث جغرافية تنفيذه. وتحاول قوّات الأسد اقتحام المدينة القديمة بالطريقة نفسها التي اقتحمت بها حي الخالدية الصيف الماضي، وذلك عبر تحقيق تقدمٍ بطيءٍ ومتدرجٍ للسيطرة على الأبنية، بعد تغطيةٍ جويةٍ همجيةٍ مركزةٍ ومكثفة. إلا أن الثوّار، الذين يقدّر عددهم داخل تلك الأحياء بأقلّ من ألف مقاتل، نجحوا في عرقلة هذا التقدم، بل وتمكنوا من استلام زمام المبادرة عبر خلق حالةٍ من "توازن الرعب" بقصف مواقع لتجمعات الشبيحة في حيّي السبيل والزهراء المواليين للنظام شرقيّ مدينة حمص بصواريخ "غراد".

العاصـمة: مواجهـاتٌ مباشرةٌ وصمود المناطق

تعدّ جبهات العاصمة وريفها الأكثر تعقيداً على صعيد المواجهات المباشرة وغير المباشرة. فأحياء القابون وجوبر في قلب دمشق ما تزال جبهاتٍ ساخنةً يحارب فيها الثوار ببسالة. وعجز فيها النظام، رغم كل سلاحه الجويّ ودباباته، عن حسم المعارك. ويلجأ الثوار إلى تكتيك التحرّكات الرشيقة للمجموعات في الشوارع وداخل الأبنية، مستغلين الركام الهائل للأبنية المدمّرة جراء القصف، ومحوّلينها إلى دهاليز وزواريب وأنفاقاً يمكن المناورة بينها وفي داخلها. الأمر الذي استنزف قذائف الطيران الحربي وقذائف مدافع جبل قاسيون، إذ بات القصف بلا جدوى. والثوار يناورون بكلّ شجاعةٍ رغم مخاطر القصف، وأحياناً يتمكنون من إعطاب آلياتٍ ثقيلةٍ لقوّات النظام متمركزةٍ على مشارف تلك الأحياء المستعصية.
وفي مدن الريف الكبرى ما تزال دوما وحرستا من أكثر المناطق استعصاءً على قوات الأسد. ولا يتبع الثوّار هناك أيّ تكتيك محدد أو مكشوف، بل تعتمد خططهم في المواجهات على مبدأ الخلايا النائمة، واستغلال عنصر المباغتة في أيّة لحظةٍ قد يتمكنون فيها من القيام بهجومٍ خاطفٍ على مواقع عسكريةٍ وأمنيةٍ متاخمة.
وفي ريف دمشق الشرقيّ، تبرز في المليحة المعارك الطاحنة، التي قد تصل إلى مواجهاتٍ عسكريةٍ مباشرة. ويحاول النظام كسب تلك المعركة بشتى الوسائل، ولكن الجيش الحرّ فوّت عليه فرص التقدم براً، من خلال استخدامه القنص المجدي ومدافع محلية الصنع أثبتت فاعلية ردعية، مع تحركات عناصر كثيرة العدد ومتسلحة بأسلحة ثقيلة في كثير من الأحيان. الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على ميليشيات الأسد التي لا تمتلك عنصري الشجاعة والقضية العادلة للتمكن من احتلال أرضٍ يدافع عنها أصحابها.
وتبدو داريّا أقوى المدن الثائرة في الريف الجنوبيّ الغربيّ للعاصمة، فسجلّها حافلٌ بالانتصارات في معظم المواجهات. وقد أحبط الثوار فيها كلّ محاولات الاجتياح البريّ التي نجح فيها النظام في بلداتٍ قريبةٍ مثل جديدة الفضل، التي نفذت فيها قوات الأسد مذبحةً مروّعةً بحق المدنيين. في حين تمكن ثوّار داريا من قتل ثلاثةٍ من قادة الحملات عليها خلال سبعة أشهر.
وتبقى منطقة القلمون جريحةً بعد تمكن النظام وميليشيات حزب الله اللبنانية، وأخرى عراقيةٍ متطرفة، من احتلال مدنها وبلداتها الرئيسية. إلا أن جيوب الثوار في جبال القلمون ما زالت تكبد النظام خسائر عبر حرب العصابات والكمائن، تجنباً للمواجهات الكبيرة المباشرة، بسبب عدم تكافؤ العدد والعتاد. وقد بلغت خسائر النظام في الأسبوع الماضي 11 دبابةً وطائرتي ميغ وعشــــــــــرات القـــــــتلى والجــــرحـــــــى.