توثيق التراث الثقافيّ المعماريّ في دير الزور في ظلّ الحرب...

الكاشف - الرواق - بيت هزّاع الشيخ ياسين | أرشيف خاص

يمكن تعريف التراث الثقافـيّ الماديّ بأنه مجموعة المباني المميّزة التي تكتسب بعداً تاريخياً، والتي أثبتت قدرتها على تحقيق الهدف الوظيفيّ والتغلب على التحديات، وتأقلمت مع الظروف البيئية المحلية، وتعبر بشكلٍ جليٍّ عن شخصية مجتمعاتها.

العمارة السكنية التراثية

تتركز البيوت التراثية في الأحياء الأقدم من مدينة دير الزور، وهي: الشيخ ياسين وعلي بك (العرضي) والحميدية والرشدية والشارع العام والجبيلة. ونذكّر بأنه تمت سابقاً إزالة المدينة القديمة (الدير العتيق) بأحيائها الثلاثة ذات النسيج التقليدي...
ويعود تاريخ معظم هذه البيوت التراثيّة إلى أواخر الفترة العثمانية وبداية فترة الانتداب الفرنسي، أي أن عمر معظمها لا يتجاوز المئة عام. وهناك بعض البيوت الكبيرة لوجهاء المدينة، والتي تعد قصوراً تحوي العديد من الغرف والقاعات والمستودعات، كما تحوي أكثر من فناء.

وصف البيوت التقليدية

يتألف البيت التقليديّ في دير الزور من مجموعةٍ من الغرف التي تنفتح على فناءٍ داخلي (الحوش). يكون المدخل الأساسيّ من الشارع الرئيسيّ، وقد يحوي البيت مدخلاً ثانوياً في حال وقوعه على زاوية. ويؤدّي المدخل الرئيسيّ إلى بهوٍ يعمل كموزعٍ للغرف التي تحوي نافذةً طوليةً أو أكثر تطلّ على الشارع. ومن البهو يمكن الوصول إلى الفناء الداخليّ المكشوف.
وفي الجهة المقابلة يوجد رواقٌ منخفض الارتفاع معقود (أي مسقوفاً بواسطة قبوات)، يرتكز على أعمدةٍ كلسيةٍ أو عضاداتٍ تعلوها أقواسٌ نصف دائرية غالباً (يسمّى الكاشف)، ومنه يمكن النزول بعدّة درجاتٍ إلى منسوب نصف قبوٍ معقود، يطلّ بفتحاتٍ على الكاشف. وتعلو القبو غرفتان بسقفٍ خشبي. وتحتوي الجدران على كوىً تتقدمها شرفةٌ تطلّ على الحوش، ويمكن الوصول إليها بواسطة درجٍ مستقيمٍ بردّة واحدة، يرتكز على أحد جدران الحوش. وقد تتوسط الفناء بركة ماءٍ أو نافورةٌ وبعض الأشجار كالنخيل أو الرمان أو الحمضيات.
وتتسم البيوت التراثية في دير الزور ببساطتها وجمالها وخلوّها من مظاهر البذخ، وغياب الزخارف والنقوش والكتابات، مقارنة بالبيوت التراثية في بعض المحافظات السورية كدمشق وحلب. وربما يعود هذا إلى الطبيعة الصحراوية للمدينة، والحالة المادية للسكان.

إشكالية التعدّي على التراث المعماريّ

ان استهداف الأحياء السكنيّة التي تحوي البيوت التراثيّة، بالقصف العشوائيّ المدفعيّ والجويّ والاشتباكات، هو جريمةٌ بحدّ ذاته، إذ يمكن تشبيه المجتمع الذي يفقد تراثه المعماريّ بالشخص الفاقد للذاكرة. ونتيجة للحالة الفيزيائية الهشة لهذه المباني بحكم تقادمها، واستخدام مواد البناء غير المقاومة فيها، كانت الأكثر عرضةً للتدمير.
وتجدر الإشارة إلى أن واقع البيوت التراثية في دير الزور لم يكن جيداً قبل الأزمة الحالية، فقد أزيل العديد منها لتحلّ محله أبنيةٌ إسمنتيةٌ طابقيةٌ عاليةٌ نسبياً، وتُرك قسمٌ يعاني الإهمال بسبب الوضع القانونيّ (الورثة)، وكان بعضها مؤجراً بأسعارٍ زهيدةٍ أو استخدم لأغراضٍ أخرى غير سكنيةٍ ولوظائف عامة.

الإجراءات العمليّة لتوثيق البيوت التراثيّة

نظراً للظروف الحالية، ولأن غياب التوثيق الفنيّ يهدّد التراث الثقافيّ بالزوال والاندثار؛ نتمنى على الجهات المحليّة والنشطاء في المدينة القيام بتوثيق ما تبقى من البيوت التراثية، كي يتمكن المختصّون لاحقاً من الاعتماد على التوثيق في أعمال المحافظة والترميم، وذلك من خلال الخطوات الإجرائية التالية:
-    تحديد رقم ومكان وحدود العقار أو اسم مالكه (ويمكن الاستعانة بمخططات "الكادسترو" الفرنسية).
-    تحديد تاريخ بناء البيت، والذي غالباً ما يكتب على لوحةٍ حجريةٍ تعلو المدخل الرئيسيّ، بالاضافة إلى آيةٍ قرآنيةٍ أو دعاء.
-    تصوير محيط أو جوار البيت التقليديّ، بشكلٍ يوضح علاقته مع الشارع والبيوت المجاورة. ويمكن التقاط صورٍ علويةٍ من أحد الأبنية الحديثة العالية المجاورة.
-    تصوير الفراغات المعمارية، ويقصد بها الغرف والقاعات والحوش الداخليّ.
-    قياس طول وعرض الغرف والقاعات.
-    تصوير العناصر المعمارية في البيت، وتشمل: النوافذ الداخلية والخارجية والأبواب والمدخل الرئيسيّ والأدراج والأعمدة والحديد المشغول، والنقوش في حال وجودها.
-    تصوير الجدران والأرضيات والأسقف، لتوضيح مواد البناء المستخدمة وأسلوب الإنشاء.
-    تصوير فيديو يمكن من خلاله ربط الصور المأخوذة
ومكان التقاطها.