تجّار الرقة يهربون من الكساد، وازدهار سوق الأثاث والأدوات المستعملة

  "ليست هذه الشوارع التي ألفناها.. لقد عادت الرقة عقوداً إلى الوراء"، بهذه الكلمات يصف حسن، أحد أبناء الرقة، حال مدينته التي كانت ذات أسواقٍ نشطةٍ نتيجة استقبالها لأعدادٍ كبيرةٍ من النازحين من محافظاتٍ مختلفة، إلا أن سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على المدينة ألحقت خسائر فادحةً باقتصادها. فلم تعد الحركة كما كانت في أسواقٍ مثل القوتلي و23 شباط، التي فقدت الكثير من زبائنها، بالتزامن مع تغيّرٍ كبيرٍ في السلع والموادّ المعروضة.

أسبابٌ عدّةٌ دفــعت السـكّان إلى الابتعاد عن الأسواق، وأهمها انهيار القدرة الشـرائية نتيجة تآكــل قيمة الليرة السـورية، لترتفع الأسعـــار إلى الحدّ الذي يفوق إمكانات معـــــــظم السكان. وعلى اعتبار أن رقم 500 ل.س
–2 دولار تقريباً- هو متوسّط الدخل اليوميّ للعامل أو للموظف، لا يمكن لغالبية العائلات تحقيق الحدّ الأدنى من احتياجاتها المعيشية. فقد وصل سعر ربطة الخبز، التي تحوي 20 رغيفاً، إلى 200 ل.س في الرقة. وتجاوز سعر ليتر المازوت، بجودةٍ تحت متوسطة، 100 ليرة. وارتفع سعر ليتر البنزين المكرّر إلى 170 ليرة. وتباع أسطوانة الغاز المنزليّ بحوالي 5000 ليرة، وليتر وقود الطبّاخات القديمة (الكاز) بـ85 ليرة.

الكساد يضرب بعض القطاعات

على بعد أمتارٍ من مدرسة بلقيس يقع سوق "السبورات" أو (ساحة شمّاس)، أحد أهم أسواق الثياب وأشهرها في الرقة. يقول أبو حسن، أحد أصحاب المحلات في السوق: "أغلب أصحاب المحلات أغلقوها. ومن بقي يعاني كساد البضاعة". كان هذا السوق أحد واجهات الموضة في الرقة. وكانت محالّه من أغلى المحلات، بيعاً وإيجاراً، بسبب حركة الزبائن الكثيفة. لكن الحالّ تغير، إذ لم تبقَ فيه سوى بضع محلاتٍ تبيع "العباءات الإسلامية والكلابيات، بينما هاجرت السبورات مبتعدةً عن ليل الرعب الداعشيّ"، حسب أبو حسن الذي يضيف: "لم يبقَ لنا خبزٌ في هذه البلاد. كلّ شيءٍ هنا يرجع نحو الوراء، ولا ملامح لتحسّن الوضع". فيما تشهد العديد من المهن القديمة انتعاشاً بعد أن كادت تنقرض، ومنها الخياطة التي عاد الأهالي إلى الاعتماد عليها في ظلّ غلاء أسعار الملابس الجاهزة.

تباينٌ في حركة الأسواق

يقول أبو خلف، صاحب أحد المحلات في شارع 23 شباط: "السوق واقف، والحركة قليلة، وأنواع الزباين اختلفت". تقييمٌ يجمع عليه كثيرٌ من التجّار الذين آثر العديد منهم تصفية أعماله أو تجميدها والرحيل. يضيف أبو خلف مبرّراً أسباب ارتفاع الأسعار: "هناك مصاريف كثيرةٌ، إلى جانب التكاليف الأساسية في ثمن المواد وأجور الشحن وأتعاب العمال". وبعكس الركود الذي تعاني منه تجارة الملابس الجاهزة التقليدية، يزداد الطلب على الملابس والإكسسوارات العسكرية التي أخذت حصّةً لا يستهان بها من السوق، فقد تغيّرت البيئة لتخلق نمط "موضةٍ" جديدٍ يجاري الهيئة التي يتميّز بها مقاتلو التنظيم.
ورغم دخول ظاهرة النزوح عامها الرابع، ما زالت أسواق الأدوات المنزلية المستعملة تسجّل نشاطاً لافتاً، إذ لا يكاد يخلو شارعٌ في الرقة من محلٍّ لبيع هذه الأدوات. ترى أم رامي، وهي نازحةٌ من مدينة دير الزور استقرّ بها المقام في حيّ الدرعية، أن مثل هذه الأسواق انعكست بشكلٍ إيجابيٍّ على الفقراء والنازحين: "أسواق الأدوات المستعملة وفّرت لنا مواد جيدة وبأسعار مقبولة". مثل هذه السيدة، التي خرجت مع عائلتها دون أن تحمل شيئاً من أثاث منزلها أو ثيابها، استطاعت، رغم ظروفها الصعبة، أن تشتري غسالةً وبرّاداً وتلفازاً ومستلزماتٍ أخرى لتأثيث منزل النزوح.
يُرجع بعض الناشطين وفرة المعروض من قطع الأثاث إلى حركة النزوح والتنقل من وإلى الرقة، وخاصّةً بعد وقوعها تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك تكرار الهجمات الجوّية لطائرات الأسد وطائرات التحالف الدوليّ، على الأحياء السكنية بالنسبة للأولى، وعلى أهدافٍ منتقاةٍ للثانية، في جوٍّ من الرعب المتواصل المنبعث من سماء المدينة، مما يجبر البعض على بيع كلّ محتويات المنزل، أو التخلص منها بأيّ شكلٍ، قبل النزوح.