بعد 33 سنةً عجافاً.. بدء عودة الحقّ إلى أصحابه في حماة

لم يكن سامي طيفور يعلم أن أرض عمّه عبد الحميد، التي وضعت الدولة يدها عليها إثر الانتفاضة الشعبية في مدينة حماة، مطلع شباط 1982، ستُعرض للبيع مرّةً أخرى.

على تخوم قرية أم الطيور، التي تقع إلى الغرب من مدينة حماة بنحو 25 كم، على الطريق الواصل بين حماة ومصياف؛ تنتشر بعض الأراضي التي كانت ملكيتها تعود إلى بعض العوائل الحموية، كالكيلاني والبرازي وطيفور، حتى مطلع ثمانينات القرن المنصرم، عندما بدأ النظام برسم سيناريو لتغيير البنية الديموغرافية لتلك المدينتين تحديداً، وكلّ سورية عموماً، تعتمد على نقل الملكية من أصحابها إلى أبناء طائفته. وينسحب ذلك على تسهيل نقل بعض بيوت دمشق القديمة إلى سكان العاصمة الجدد.

الهجرة العكسية

هذا ما يعبّر عنه اليوم أهالي مدينة حماة، ممن عاش تلك الحقبة السوداء، حين شاع النزوح من جبال الساحل السوريّ باتجاه ريف المدينة، لوضع اليد على أملاك وأراضي من أدرجت الدولة أسماءهم ضمن القوائم السوداء، والذين تمّت تصفيتهم لاحقاً، أو منعوا من الدخول إلى البلد، كما هو الحال مع عبد الحميد طيفور، الذي يعيش اليوم في المملكة العربية السعودية. والذي تمكّن، من خلال عمله طيلة سنوات إجلائه عن بلده، من جمع رأس مالٍ جيدٍ يستطيع من خلاله إعادة شراء أرضه! يقول طيفور في حديثٍ لـ"عين المدينة": "من المفارقات الغريبة أن يكرّس الإنسان حياته لجمع مبلغٍ يمكّنه من استرداد أرضه، التي ورثها عن أجداده، من جلاده!".

ظروفٌ اقتصاديةٌ لا تطاق تعيشها القرى الموالية في حماة وحمص. فبعد أن تورّطوا بزجّ أبنائهم في المحرقة التي يقودها رئيسهم، خسرت غالبية الأسر القوى الشبابية التي تعدّ المحرّك الرئيس والداعم للاقتصاد الأسريّ بأصغر حلقاته. وقد دفعت هذه الظروف العديد من الأسر إلى بيع ما تملك من عقاراتٍ والهجرة إلى أرض الأجداد في الجبل. آلاف الهكتارات من ريف حماة تُعرَض للبيع، والصفقات تتمّ يومياً في سهل الغاب.

J521w4r50SWvkuD-Vaip5N4o7O2h0WdKEAMYm95CX60

ويتزامن ذلك مع بروز طبقةٍ اجتماعيةٍ قريبةٍ من النظام تملك رأسمالاً كبيراً وظّفته في مشاريع في الساحل على حساب الفقراء، كما يقول محمد الجبلاوي، وهو من الطبقة المحسوبة في فلك النظام: "الأمور لا تطاق هنا. والوضع ينذر بانفجارٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ إذا لم تتدارك السلطات في دمشق الأمر". بينما تتحدّث فاطمة، وهي طالبةٌ جامعيةٌ من قرية تل سكين في ريف حماة، عن الأسباب التي دفعت أهلها إلى بيع قطعة الأرض: "تحوّلت الحياة إلى دورة موتٍ. كلّ شيءٍ هنا تغيّر، فديمغرافياً الطابع النسائيّ يسيطر على المدينة. معظم الشباب إما على جبهات القتال أو يعودون بكفنٍ دون ضجيجٍ إعلاميٍّ. ومقولة أن لكلّ رجلٍ خمس نساءٍ باتت "دارجةً" في ريف حماة وحمص والساحل".

ولكن، قبل أسابيع، ضجّت قرية أم الطيور بافتتاح مجمعٍ تجاريٍّ تعود ملكيته إلى اللواء محمد عمار، قائد الفرقة الرابعة سابقاً. في ظاهرةٍ لا تأبه للحالة المزرية التي وصلت إليها عوائل القرية التي كانت تعيش وضعاً ميسوراً في السابق. إذ إن الطبقة الوسطى كانت الطاغية، أما اليوم فقد دفع الفقر بالشباب المتخرّج حديثاً إلى محاولة الهجرة غير الشرعية إلى بعض البلدان الأوروبية. "فالموت مرّةً واحدةً في البحر أفضل من موت الاستنزاف"، كما يقول لؤي، الذي يستعدّ لاختبار تجربته في ألمانيا الأسبوع المقبل. وقد قرّر الهجرة غير الشرعية بعد أن باعت أسرته أرضها لتأمين سفره إلى الخارج.

حتى في تركيا هناك فسحة أملٍ لمؤيدي النظام. فربما تكون ملجأً لهم وحاضنةً لبعض التجّار، كما يقول كامل، وهو من قرية الربيعة، ويتواصل مع تجّارٍ في لواء إسكندرون، حيث نسبة العلويين المؤيدين للأسد لا بأس بها، وغالبيتهم تجّارٌ يعبرون الحدود إلى قرى جبلة عبر ريف اللاذقية. وهم، كما يقول الرجل، مندفعون إلى المساعدة من منطلقٍ تجاريٍّ ومذهبيّ.

يخلص سامي طيفور، في حديثه لـ"عين المدينة"، إلى التأكيد على أن الوضع بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الاقتصاديّ-الاجتماعيّ الذي يهدّد معقل النظام في ريفَي حماة وحمص، ويبشّر بعودة الأراضي السليبة إلى أصحابها الحقيقيين.