ثلاثة عوامل حاسمة
بالتزامن مع تنفيذ الطائرات الروسية أولى مجازرها في ريف حماة مطلع الشهر الجاري، حدّد الرئيس الروسيّ فلاديمر بوتين أهداف وطبيعة تدخل بلاده في سوريا بثلاث نقاطٍ رئيسية؛ هي دعم بشار الأسد والجيش السوريّ في مواجهة ما سمّاه التنظيمات الإرهابية، واقتصار العمليات العسكرية الروسية على الجوّ، وأخيراً أنّ موسكو لن تغرق في الصراع السوريّ.
لكن، وبغضّ النظر عمّا أراد بوتين الإيحاء به من وضوح رؤيته السياسية للقضية السورية؛ تجدر الإشارة إلى حجم التركيز الذي أبداه على الجانب العسكريّ، ما يدفع إلى الحديث عن ثلاثة عوامل ستكون حاسمةً في تحديد مصير هذه الخطوة.
التورّط الدوليّ
للمرّة الأولى منذ بداية الثورة نقل تدخّل موسكو مسار الأحداث من مرحلة التصريحات والتجاذب السياسيّ بين معسكري الدول الداعمة للنظام والأخرى المعارضة لبقائه، إلى مرحلة تورّط دولةٍ كبرى تسعى إلى قلب التوازن الميدانيّ القائم على الأرض، بغية فرض حلٍّ سياسيٍّ يبقي الأسد في السلطة. لكن، ومع ذلك، لم تطرأ أيّ تغيراتٍ على مواقف الدول المعنية بالشأن السوريّ، إذ وصف الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما التدخل العسكريّ بأنه تجسيدٌ لفشل الإستراتيجية الروسية في سوريا، وقال إنه لن يكتب له النجاح، وكذلك رأى رئيس الوزراء البريطانيّ دافيد كاميرون. وعلى مستوىً آخر فإن الإعلان الروسيّ عن غرفة عملياتٍ مشتركةٍ مع كلٍّ من إيران والعراق قد يدفع إلى ردود أفعالٍ تتجاوز التصريحات، وخاصّةً بالنسبة إلى الدول الاقليمية، كالسعودية وقطر وتركيا، التي تخوض صراع مصالحٍ مباشراً مع النفوذ الإيرانيّ المنضوي تحت مظلة التحالف الروسيّ مع النظام. إذ أشارت العديد من التقارير إلى أن روسيا ستعتمد، في خطّتها العسكرية التي تهدف إلى استرجاع مناطق كان النظام وحلفاؤه قد خسروها، على قوّاتٍ تتكوّن بالدرجة الأولى من عناصر حزب الله والحرس الثوريّ الإيرانيّ الذي أصبح وجوده صريحاً. ما من شأنه أن يدفع الدول المعارضة للـ"سياسة" الروسية والوجود الإيرانيّ إلى تقديم المزيد من الدعم العسكريّ لفصائل الثورة لإبقاء التوازن قائماً من ناحية، ولإفشال "المشروع" الروسيّ والإيرانيّ على المدى الإستراتيجيّ، من ناحيةٍ أخرى.
الخارطة العسكرية
لم تتأخر قوّات النظام، والميليشيات المتحالفة معها، عن الاستجابة المباشرة لعمليات القصف والتوجيه الروسية. إذ بدأت بشنّ هجومٍ على عدّة جبهاتٍ في أرياف حماة وحمص واللاذقية وحلب. لكن النتائج الأولية لهذه العمليات كانت كارثية عليها؛ إذ أحصى ناشطون ما يزيد على 30 دبابةً ومدرّعةً تمّ تدميرها على أيدي الجيش الحرّ في ريفي حماة واللاذقية خلال ثلاثة أيامٍ فقط، فيما استطاع الثوار السيطرة على بلدة دورين الاستراتيجية في ريف اللاذقية، واستعادة سكيك وكفرنبودة في ريف مدينة حماة، التي أعلن جيش الفتح عن بدء معركة تحريرها. كما تمكن الثوّار من السيطرة على عدّة سرايا تابعةٍ للواء تسعين في ريف القنيطرة الشماليّ. وفي هذا الوقت شيّع الإيرانيون أربعة قادةٍ في الحرس الثوريّ، على رأسهم حسين همداني الذي قتل في ريف حلب. ومن ذلك لا تبدو المعادلة التي يسعى الروس إلى فرضها سهلة التنفيذ، رغم المبالغات الإعلامية التي يسوّقها النظام عن الحشود العسكرية، والقصف والدعم الروسيّ. إذ تتحوّل هذه الجبهات إلى مناطق استنزافٍ لميليشيات النظام كلما قُرّر فتحها.
من سيحارب داعش؟
كان شعار محاربة داعش والإرهاب عنواناً التدخل الروسيّ الذي يسعى إلى تسويق نظرية الاعتماد على النظام في هذه الحرب المزعومة. لكن هذه الحجة لم تقنع أحداً سوى مريدي الأسد، وخاصّةً بعد تركيز هجمات الطيران على المناطق المحرّرة وتجاهل مواقع التنظيم الذي يقدّم بهجماته على الجيش الحرّ في ريف حلب خدماتٍ جليلةً للنظام وحلفائه. لكن، بالمقابل، أثبتت الوقائع عجز التحالف الدوليّ الذي تقوده أميركا عن إحداث فارقٍ بعد عامٍ من الضربات الجوّية ضدّ مواقع التنظيم، الذي قامت الفصائل الثورية بالتصدّي له وإلحاق الكثير من الهزائم به في عددٍ من المناطق، مقابل عدم وجود حلفاء لروسيا قادرين على، أو حتى راغبين في، محاربة التنظيم. وهذا ما عبّر عنه باراك أوباما في ردّه عن سؤال "من سيقضي على داعش؟"، حين قال: "لا يمكن القضاء على التنظيم دون التعاون بين المجتمع الدوليّ، وعلى رأسه الولايات المتحدة، والسكان المحليين في سوريا والعراق".
وهكذا يبدو التدخل الروسيّ خطوةً لملء الفراغ الذي أحدثه تهاوي سلطة الأسد الذي فقد المبادرة العسكرية لصالح الثورة، وها هو يتحوّل إلى شمّاعةٍ للمشاريع الدولية التي لن تستطيع إنقاذه بعد أن باتت تواجه مشاكلها، ولربما قتلاها، في قلب المحرقة.