بانتظار العكاز والكرسي المدولب.. مصابون في جيش النظام على شبابيك مؤسساته

متداولة لمصابين من جيش النظام

مشهد لم يكن عاماً كما هو عليه الآن في قرى ومدن الساحل السوري، فوجود أصحاب الاحتياجات الخاصة بات حالة عامة، لا يكاد يخلو من وجودهم شارع أو حي أو حتى مؤسسة، كثير منهم يحملون أوراقهم ويصطفون على شبابيك المصارف أو المشافي أو المؤسسات الاجتماعية والعسكرية، لتقديم وثائقهم التي تثبت إصاباتهم في الحرب والحصول بالتالي على راتب أو أداة طبية تساعدهم على حياتهم أو تعويضات رمزية.

أكثر من مليون ونصف صاحب احتياج خاص خلفتهم العمليات الحربية خلفها، مدنيون وعسكريون من كافة المناطق السورية، غالبيتهم لم يتم الاهتمام بأوضاعهم، ولم تحظَ سوى نسبة قليلة منهم بالدعم، أو الحصول على أطراف صناعية بالنسبة لمبتوري الأطراف، لذلك ما زالت أسر غالبيتهم تطالب الجهات التي من المفترض أن تدعمهم بتقديم ذلك الدعم، إلا أن الدلائل تشير إلى انخفاض هذا الدعم، وإلى أن الإهمال هو أكثر الأساليب المتبعة تجاه هؤلاء في مختلف المناطق، بما في ذلك مناطق المعارضة.

جزء كبير من أصحاب الاحتياج الخاصة في مناطق النظام هم من العسكريين السابقين في الجيش، الجيش الذي يحظى بأولوية خاصة لدى النظام، والذي لا تكاد تُعقد أي فعالية -مهما كان شكلها ونوعها في المناطق التي يسيطر عليها- إلا ويقرّ القائمون عليها بأن هذا الجيش هو من حافظ على أمنهم وسلامتهم، وأن شهداءه ومصابيه هم (أصحاب الفضل في صون الوطن).. إلا أن خلف هذا الخطاب مقعدين ومبتوري أطراف ومصابين بكافة أشكال الإصابات، ينتشرون اليوم في مدنهم وقراهم دون أن يلتفت إليهم النظام الذي زجهم في معاركه، ثم لف بعضهم بأعلامه حاملاً إياهم إلى المقابر، ليقضي ذووهم سنوات أملاً في الحصول على أي دعم مادي أو توظيف تكريماً لما قدمه "الشهداء"، فيما بقي غالبية المصابين حبيسي المنازل والأسرّة، بانتظار مؤسسة ما تدق أبوابهم لتهديهم العكاز أو الكرسي المدولب.

يقول محمد عوكا (عسكري سابق، لديه ثلاثة أبناء عم من المصابين في الحرب): "إذا كان على الشهيد إثبات شهادته لينال ذووه التعويضات! فكيف الحال مع المصاب؟. حشود المعاقين التي تشاهدها بشكل يومي، يحتاجون إلى أشهر من العمل بين المؤسسات لإثبات إعاقتهم، وتقديم تقرير طبي بنسبتها، ليحدد على هذا الأساس الراتب الذي يمكن أن يتقاضاه العسكري، وهل هو في عداد المتقاعدين العسكريين، أم ماذا؟. ليس هناك قانون واضح بهذا الخصوص، فالتعديلات والفوضى هي التي تحكم حياة هؤلاء".

يحاول محمد مساعدة أحد أبناء عمه الذي فقد كامل ذراعه اليمنى، في تسيير إحدى أوراقه في المصرف الزراعي، بعد مسيرة أكثر من شهر ونصف بين المشافي والمؤسسات، لينال العسكري تقاعده، فيقول محمد "ألا يلفتكم مشهد المعاقين الذين يحاولون إيجاد مهن بسيطة أخرى، كفتح الأكشاك، أو بيع السجائر على الأرصفة. أغلب هؤلاء كانوا عسكريين، ويبحثون اليوم عن مصدر دخل إضافي، فدخولهم التي لا بدّ ستفقد الكثير من قيمتها نتيجة عدم استمرارهم بالعمل لن تكون كافية بالطبع، خاصة في ظل إصابات هي بحاجة لأدوات، وأدوية معينة، لا تتوفر غالبيتها بالمجان".

تحاول المؤسسة العسكرية ممثلةً بأكبر قيادييها (رئيس النظام) تمرير ومضات إعلامية بين الفينة والأخرى، للتأكيد على وقوفها بجانب المعاقين، ومضات تصل حدّ إصدار مرسوم يؤكد أن المصابين في الحرب والذين توفوا نتيجة إصاباتهم هم "شهداء"! المرسوم الذي نال من السخرية ما ناله بين قطاعات المؤيدين قبل المعارضين، والذي جاء في خضمّ مجموعة زيارات قام بها الأسد وزوجته لمنازل مصابين، من الواضح أنها وضبت بأناقة قبل استقبال القائد، وأن الطريق إليها كانت موحلة قبل ساعات من الزيارة..

لوحات جدارية وصناديق برتقال (عند بروز أزمة كساد الحمضيات) كانت أبرز هبات القائد للمصابين، فيما ينتظر المئات على أبواب المؤسسات الصحية للحصول على أداة تتيح لهم الخروج من المنازل، أو على الأقل التنقل ضمنها، والوصول إلى التلفاز لتشغيله، وحضور آخر المراسيم والكلمات التي يوجهها القائد لحماته الأبرار.