عدسة حسن قطان | حلب
أصبح انتشار الأوبئة، بالتزامن مع قلّة الرعاية الصحيّة، مصدر تخوّف الأهالي الموجودين في جميع أحياء حلب.
فبعد استهداف نظام الأسد لشبكة أنابيب المياه في بستان الباشا، توقّف ضخّ المياه إلى مناطق حلب، ممّا ينذر بوقوع كارثةٍ إنسانيّةٍ قريبةٍ بين الأهالي، الذين يطالبون بحلٍّ عاجلٍ وإصلاح أعطال الشبكات. إذ إنّ انقطاع المياه أشدّ من فقدان مقوّمات الحياة الأخرى. كما أثّر قطع الجانب التركيّ لمياه الفرات على انخفاض منسوب النهر، ممّا تسبّب في توقّف ضخ المياه نحو مدينة حلب، مع تأثّر حجم توليد الطاقة الكهربائيّة. ويُرجع ناشطون سبب ذلك إلى انشغال الجانب التركيّ بتحويل مياه الفرات لمشاريع الريّ التي تقع على جانبي النهر، في خرقٍ واضحٍ للاتفاقيّات الدوليّة التي عقدتها مع كلٍّ من سوريا والعراق عام 1990.
أزمةٌ خانقة
الأحياء المحرّرة من مدينة حلب، التي اشتهرت بانتهاكات نظام الأسد المستمرّة وتدميره معظمها بالبراميل المتفجّرة، تشهد هذه الأيّام أسوأ الأوضاع على مرّ ثلاث سنواتٍ وأكثر من عمر الثورة؛ انقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة، دمارٌ كبيرٌ حلّ بالمباني السكنيّة، انتشار الحشرات والقوارض بين ركام المباني، وفوق ذلك انقطاع المياه. يقول ناشطون إنّ الأمر الوحيد الذي لا يمكن لأهالي حلب الاعتياد على انقطاعه هو مياه الشرب.
يتجــــمّع الأهالـــي يومـــــياً عند الجوامع، ومع كل شخصٍ غالونٌ كبيرٌ من أجل تعبئته بالمياه. ينتظر المصطفّون وراء بعضٍ بدء توزيع المياه عليهم. ولا يعرفون إن كانوا سيصبحون ضحايا لبرميلٍ متفجّر، في حين يتوجّه آخرون إلى شراء المياه من الصهاريج لتعبئة خزاناتهم.
عبر "عين المدينة" نبّه الناشط الإعلامي أيمن إلى الأزمة الصحيّة التي يمكن أن تظهر خلال الأيّام القادمة، قائلاً: "لم يبق على شهر رمضان إلا القليل، والماء أهمّ الوسائل التي يحتاجها الناس في هذا الشهر. فالمناخ الحارّ وقصف الطيران المتكرّر وجبهات القتال توحي بأسوأ ظروفٍ سيمرّ بها أهالي حلب
في الأيّام القادمة".
حلولٌ ومشاكل صحيّة
ويتخوّف الأهالي من تفاقم هذه المشكلة، في ظلّ ما وصفه البعض بهجمةٍ إنسانيّةٍ يفتعلها النظام بهدف تهجير الأهالي، بعد مضيّ أسابيع على أعطال شبــــــكة المياه في بـــــستان الباشا. وقد كُلف الهلال الأحــــمر بإصــــــلاح الشبكات ولكن هناك تقاعس من قبلهم، على حسب ما أفادنا به بعض الأهالي.
وفي ظلّ حاجة الناس اليوميّة لمياه الشرب والطبخ والغسيل عمد بعضهم إلى حفر الآبار الارتوازيّة من أجل استخراج المياه الجوفيّة، ولكنها ذات طبيعةٍ كلسيّة، وقد تسبب أمراضاً كثيرة. ولذلك يتخوّف أبناء حلب من كوارث صحيّة نتيجة استعمال المياه غير الصالحة للشرب في قضاء كل الاحتياجات.
يرى الــــشاب عبد الــــجليل "أنّ المستنقعات التي تكوّنت حول الأنابيب التي تعطّلت في كلٍّ من كرم الجبل وبستان الباشا قد أصبحت الحلّ الوحيد للأهالي، الذين صاروا يقومون بغلي الماء قبل استعماله للطبخ والشرب والاستحمام".
يبقى احتمال إصلاح أنابــــيب ضخ ّ المياه المعطّلة في أحياء حلب مجهولاً، بالتزامن مع المعارك التي تشتعل بها جبهات حلب في مختلف أحياء المدينة، فيما يحاول الأهالي التعايش بأيّ السبل مع الظروف التي فُرضت عليهم، إذ يرى البعض أنّ البراميل المتفجّرة قد أصبحت جزءاً من حياة الأهالي، وفي المستقبل سيصبح انقطاع كافة الخدمات، بما فيها مياه الشرب، أمراً عاديّاً.
في نفس السياق، ورغم الظروف الصعبة، يتجمّع أهالي الأحياء لمساعدة بعضهم، في مظاهر إنـــسانيّةٍ تنبذ كلّ احتمالات التجارة باحتياجات الناس، والتي لم تظهر حتّى الآن.