المونة امتحان أهالي ريف حلب الشمالي والشرقي الأصعب

على الرغم من التطورات التي شهدها القطاع الزراعي وتطور أساليب تخزين الخضروات واستغناء الأهالي عن الغرفة التي كانت تدعى "بيت المونة"، فإن السوريين ما زالوا يخزنون احتياجاتهم من الخضروات لفصل الشتاء بطرق مختلفة، لكن الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعيشها ريف حلب الشمالي والشرقي فرضت واقعاً صعباً تقلص معه طقس تخزين المونة لدى فئة كبيرة من الناس.

تحافظ العائلات السورية في مختلف أنحاء البلاد على تحضير مونة الشتاء بطرق متنوعة بين التجفيف والتبريد والتخليل، وذلك وفق الإمكانيات المادية التي تتمتع بها العائلة ونوع المونة التي تفضلها. ويبذل غالبية أفراد العائلة مجهوداً مادياً وجسدياً خلال فصل الصيف للعمل على تحضير المونة.

يهدف تخزين الخضروات والأطعمة عموماً، إلى الحفاظ على الأمن الغذائي الخاص بالعائلة طيلة أشهر فصلي الشتاء والربيع، ويحدد عدد الأفراد كمية المونة من الأطعمة لكي تغطي احتياجاتهم.

يقول محمد العيسى (30) عاماً من بلدة تلالين بريف حلب ويعمل شرطياً، خلال حديثه لـ "عين المدينة": "وجود المونة في منزل كل عائلة سورية ضروري ومهم، لأنها تحافظ على سد احتياجات العائلة خلال فصل الشتاء، والتي تعاني من مصاريف مرهقة من أدوية وتدفئة. وترتبط المونة بطقوسها المحببة التي تمتزج بالتعاون الاجتماعي في ما بين الأسر، حيث يشارك معظم أفراد العائلة في صنعها".

وأضاف: "الظروف المعيشية وغياب فرص العمل ساهما في خلق واقع جديد يمنعنا من تخزين الخضروات، وهذا لا يعني تخلينا عنها بسبب وفرتها شتاءً نتيجة التطورات الزراعية والتخزينية، لكننا مرغمين على التخلي عنها. راتبي الشهري البالغ 1150 ليرة تركية بالكاد يغطي أسبوعاً واحداً، لذلك لن أستطيع وضع المونة هذا العام".

حال العيسى لا يختلف عن حال شريحة واسعة من الناس تعمل في القطاع العام تعاني من تدني الأجور الشهرية، وغياب دور فرص العمل الأخرى. كذلك هو الحال مع من يعملون في المياومة، إذ من الصعب توفير المصاريف خارج يوم العمل، كون رزقها يرتبط بالعمل اليومي غير المتوفر بشكل دائم، ما دفعهم إلى التخلي بشكل إجباري عن المونة وعيش كل يوم بيومه.

وإلى جانب انتشار البطالة وانخفاض الأجور وصعوبات تأمين السكن، تشهد أسواق المنطقة ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الخضروات، ويرتبط الارتفاع بتزايد تكاليف الإنتاج بالنسبة إلى الخضروات المحلية، وازدياد تكاليف النقل للخضروات التركية المستوردة، الأمر الذي أثر بشكل كبير في إقبال الأهالي على تخزين المونة في المونة.

وحول الموضوع، قال علي نعمة الذي يعمل في تجارة الخضروات في سوق الهال في مدينة مارع بريف حلب الشمالي: "ارتفاع أسعار الخضروات في ريف حلب تسبب في عزوف الأهالي عن الشراء، رغم أن هذه الفترة هي موسم المونة وعادةً ما تشهد حركة كبيرة من الناس، لكن لا يوجد حركة شراء حقيقية".

وأضاف: "يعود ارتفاع أسعار الخضروات إلى تهريب الخضروات المحلية إلى مناطق سيطرة النظام وقسد شرقي الفرات، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة قلة الهطولات المطرية وارتفاع تكاليف الري المعتمدة على المحروقات والكهرباء".

ويتراوح سعر الكيلوغرام من البندورة بين 5 و6 ليرات تركية، بينما يصل سعر الكيلوغرام من معجون البندورة إلى 60 ليرة تركية، أما الفليفلة الحمراء فيصل سعرها إلى 5.5 ليرة تركية، وسعر الكيلوغرام الجاهزة إلى 70 ليرة تركية، أما سعر الكوسا فوصل إلى 5 ليرات تركية، والباذنجان الأحمر والقرع إلى 3 ليرات تركية.

ويبلغ سعر الباذنجان المخصص للمكدوس 5 ليرات تركية، والباميا 27 ليرة تركية، والفاصولياء 8 ليرات تركية، والخيار والقثاء والفليفلة 3.5 ليرة تركية، بينما يبلغ سعر الكيلوغرام من الجبنة من نوع الغنم 75 ليرة تركية وجبنة الماعز 65 ليرة تركية وجبنة البقر 60 ليرة تركية، وتتراوح أسعار التين والمشمش والكرز بين 15 و18 ليرة تركية.

وتشكل المونة التي اعتاد عليها السوريون عملاً مرهقاً على الصعيد المادي، في ظل ما يعيشه السوريون من أوضاع اقتصادية تضررت منها مختلف شرائح المجتمع، إذ يبلغ تكلفة المونة حسب التسعيرة والتكاليف المالية الموضوعة من قبل الأهالي في ريف حلب الشمالي نحو 200 دولار أمريكي، وهي تكاليف لتخزين كمية من المونة بالكاد تغطي احتياجات الأسرة المكونة من 5 إلى 6 أفراد.