المقاتلون الألبان والكوسوفيون في سورية

مقاتلون ألبان وكوسوفيون يمزقون جوازات سفرهم

شهدت ألبانيا، البلد الأوربي الصغير الهادئ، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 3 مليون نسمة، المسلمون منهم أكثر من 70%؛ زيادة واضحة في بناء المساجد وظهور المدارس الإسلامية والجمعيات الخيرية الممولة من جهات خليجية وتركية خلال السنوات الأخيرة، مثلها مثل أغلب الدول المسلمة التي خرجت من عباءة الشيوعية السوفييتية في العقود الماضية.

كما شهدت أيضاً شيئاً يشبه الصحوة الدينية من خلال عودة الطقوس الإسلامية إلى حياة المجتمع بعامة، دون تعصب ملحوظ ولا جنوح نحو التطرف. لكن مع ظهور تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في سورية بدأ بعض الأئمة المتأثرين بدعايتهما -أمثال بوجار هيسا الذي سجن بتهمة تجنيد المقاتلين وإرسالهم- بتشجيع الشباب المتدين المتحمس ودعوتهم إلى الالتحاق بالجهاد في بلاد الشام. وقد وجدت هذه الدعوة قبولاً نوعاً ما في أحياء المدن الفقيرة والقرى النائية، لا سيما في جنوب شرقي البلاد، فغادرت أولى المجموعات الجهادية وانضمت إلى كتائب مقاتلة في سورية، جُل مجاهديها قدموا من دول البلقان.

تشير جريدة الواشنطن تايمز، مستندة إلى بيانات مأخوذة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلى انضمام مئات الأشخاص من البوسنة والهرسك وصربيا وألبانيا وكوسوفو إلى القتال في سورية منذ عام 2012، عاد العشرات منهم إلى أوطانهم بعد عدة سنوات. وقد اعترف وزير خارجية ألبانيا، ديتمير بوشاتي، بتورط عدد من مواطنيه بالعمل مع داعش، أثناء لقاء مع وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في أيلول 2015، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وقدرت جريدة الواشنطن بوست، عام 2015، عدد المنتسبين إلى داعش من ألبانيا بحوالي 100 شخص تقريباً؛ سطع بينهم نجم ألمير داتشي، الملقب بأبو بلقيسا، وهو الإمام السابق لمسجد قرية ليشنيس الواقعة في مقاطعة بوغراديتش شرقي العاصمة تيرانا. وقد جند الكثير من الرجال في شرقي ألبانيا، كما هاجر هو نفسه إلى سورية وقتل هناك في إحدى معارك التنظيم عام 2016. وقد انتشرت الفيديوهات التي ظهر فيها أبو بلقيسا على موقع اليوتيوب بشكل كبير في ألبانيا، لا سيما تلك التي حث فيها أبناء بلده على الجهاد، وعلى القيام بعمليات عسكرية لإسقاط الحكم الكافر في بلده.

رغم ذلك يبقى عدد المهاجرين الألبان قليلاَ مقارنة بالمهاجرين القادمين من كوسوفو والبوسنة والهرسك ومقدونيا، لأن سكان ألبانيا ليسوا متعصبين دينياً بل قومياً. ومسألة الدين لدى فئات اجتماعية واسعة منهم ليست بأهمية أيديولوجية «الألبنة» التي تهدف إلى إنشاء «ألبانيا الكبرى» بجمع أراضي الإمبراطورية السابقة، الواقعة اليوم ضمن اليونان ومقدونيا والجبل الأسود وجنوب صربيا وكوسوفو.

شارك الكثير من الجهاديين العرب والمسلمين في حروب البلقان منذ عام 1992، واستقر بعضهم هناك بعد انتهاء الأعمال القتالية، لا سيما في البوسنة التي أمر أول رئيس لها، علي عزت بيجوفيتش، بمنح جوازات سفر للآلاف من المتطوعين الأفغان والباكستانيين والجزائريين والسودانيين واليمنيين... بقي أغلب هؤلاء على تواصل مع تنظيماتهم السابقة، وقاموا بتجنيد المقاتلين في البلقان للمشاركة في الحرب السورية.

من المثير للاهتمام أيضاً أن المدير السابق لوكالة الأمن العسكري الصربي، الجنرال مومير ستويانوفيتش، أشار عام 2004 إلى خطر انتشار الراديكالية الإسلامية قائلاً: «أصبحوا جزءاً من واقعنا.. إنهم يجتمعون في المساجد، ويشاهدون أفلام فيديو حول الانتحاريين، ويقومون بالتدريب على الأعمال الإرهابية...». في حين يقول رئيس قسم الدراسات السياسية الأوروبية في أكاديمية العلوم الروسية، كونستانتين فورونوف، إنه تم إنشاء خلية إسلامية في شبه جزيرة البلقان منذ زمن بعيد، وهي تعمل بشكل فعلي.

يشكل المهاجرون من كوسوفو وميتوهيا (يتعامل القانون الصربي مع كوسوفو كجزء من صربيا، ويسميها رسمياً «إقليم كوسوفو وميتوهيا الذاتي الحكم»، على الرغم من إعلان كوسوفو الاستقلال في 17 شباط 2008) النسبة الأكبر من مهاجري تنظيم داعش بالنظر إلى عدد سكان بلدهم. وحسب تصريحات وزير خارجية صربيا، إيفستا داتشيتش، في مجلس الأمن في نيويورك (آذار 2017)، فإن هناك 300 رجل و36 امرأة من كوسوفو يقاتلون في سورية. لكني أعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، لا سيما إذا جمعنا مهاجري ألبانيا والبوسنة ومقدونيا في داعش، إضافة إلى وجود أعداد لا بأس بها منهم في صفوف هيئة تحرير الشام التي ورثت جبهة النصرة، الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة، ربما يصل إلى حوالي 900 شخص، حسب بعض أجهزة المخابرات الأجنبية!  

ومن بين أبناء كوسوفو برز القيادي في داعش لافدريم مهاجري، الذي يعد أكثر أجنبي في التنظيم ارتكب جرائم في حق السوريين.. وسنتحدث عنه بالتفصيل في العدد القادم.