المفاضلة بين بدائل للتدفئة شمال شرقي سوريا .. بين البحث عن الدفء والفقر والملاءمة

من مواقع التواصل | في مخيم دير بلوط، يجمع أطفال المخيم البلاستيك واكياس النايلو والورق من النفايات لاستخدامه في التدفئة

مع السنوات صار الشتاء بالنسبة إلى سكان المخيمات والكثير غيرهم من النازحين وسكان شمال غربي سوريا، تحدياً على أكثر من مستوى تشكل مقاومة البرد أهمها. ووسط موجة غلاء المحروقات والفقر والبطالة اللتين يعاني منهما السوريون، يلجأ قسم كبير منهم إلى بدائل عن المحروقات أقل كلفة للتدفئة، بينما يحاول آخرون أن يطوروا بدائل بأنفسهم، مثل لفافات ورق أكياس الإسمنت.

يحتفظ أبو أحمد الريا النازح مع أولاده السبعة من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم قاح في الشمال، بكومة من لفافات ورق أكياس الإسمنت في فناء خيمته. يبادر الضيوف الذين لم يفهموا الغرض منها في البداية "هذه لأهم شيء في الشتاء، هذه للتدفئة".

جمع عامل البناء أبو أحمد أكياس الإسمنت الورقية الفارغة صيفاً من خلال التجوال بين المخيمات وحول المنشآت حديثة البناء، وبعد نقعها بالماء عمل مع أفراد عائلته على لفها بقوة يحصلون من خلالها على سماكة مناسبة، بحيث تتحول اللفافات إلى ما يشبه قطع الخشب، ومن ثم يعرضونها لأشعة الشمس حتى تجف وتتصلب، وبذلك تتحول إلى إسطوانات من الورق المقوى غير متساوية الطول والسماكة جاهزة للتخزين.

ترتفع كومة اللفافات في خيمة الريا لتشكل هضبة مغطاة بعازل يحميها من مياه الأمطار والرطوبة، ويمكن لطفله الصغير أن يحمل خمس أو ست لفافات منها بمفرده، فهي خفيفة الوزن كثيفة الكتلة. 

يقول أبو أحمد: "اضطررنا إلى إيجاد طرق جديدة وغير مكلفة أو حتى لا تكلف شيئاً على الإطلاق، كي نؤمن مادة التدفئة في فصل الشتاء".

ويبدي عدم رضاه عما جمعه هذا العام من أكياس الأسمنت: "هذا العام لم أوفق بجمع كمية كبيرة من أكياس الإسمنت بسبب قلة عملي في البيتون، وكذلك كثرة المحتاجين الذين أصبحوا أيضاً يجمعون هذه الأوراق".

وحسب أبو أحمد فإن طول اللفافات يختلف بما يتناسب مع المدفأة التي يستخدمها الشخص. اللفافات التي جهزها كبيرة الحجم لأن مدفأته ذات باب كبير: "اللفافات الكبيرة تدوم زمناً أطول وتنشر حرارة أكبر".

أما مالك معلم المدرسة النازح من ريف إدلب الجنوبي، فيستعمل اللفافات لإشعال النار في المدفأة فقط، لكون اللفافات سريعة الاشتعال بالمقارنة مع باقي مواد التدفئة، لذلك يعتمد على الألبسة القديمة المعروفة بالبالة. ينتقي من داخل كيس الخيش الأبيض قطعة من الألبسة، يتفحصها ثم يقوم بقصها إلى قطع متعددة ويلقي بإحداها إلى المدفأة ويسرع في إغلاق بابها متحاشياً خروج الدخان الأسود من احتراق قطعة القماش.

يقول مالك: "تباع البالة بالكيلو أو بالرصة، والرصة عدة كيلوات من الألبسة تأتي مغلفة ومرصوصة بأربطة بلاستيكية، تباع للزبون الذي يفتحها بنفسه، ينتقي منها ما يصلح للبس والباقي مصيره الحرق في المدفأة". ورغم تعدد خيارات التدفئة لدى مالك فإنه لا يخفي امتعاضه من ارتفاع أسعار مواد التدفئة بشكل مطرد مع كل فصل شتاء وصعوبة استخدام هذه البدائل وأضرارها على طفليه.

يفاضل سكان المنطقة بين البدائل المتاحة، ويصنع كل فرد منهم ترتيباً لها من حيث الجودة وملاءمة السعر وعوادم الاحتراق لظروف معيشته، وفي هذا السياق يأتي استعمال قشور المكسرات كحل جيد دون روائح كريهة وسهل الاستعمال. يتربع قشر المشمش على أعلى درجات سلم القشور المستعملة للتدفئة، يليه قشر الفستق ثم البندق، أما قشور الجوز واللوز فتأتي في أدنى الدرجات لكونها خفيفة ولا تتحول إلى جمر، فيما يستبعد البعض قشر البندق لأن دخانه "يزيّت المدخنة"، بينما ينفتح البعض الآخر على تجريب خيارات جديدة.

تستخدم السيدة وفاء زهرة النازحة من معرة النعمان إلى عفرين، حبيبات نشارة الخشب في المدفأة المخصصة لقشر الفستق. تقول "ظهرت النشارة كبديل جديد هذه السنة وقررت أن أجربها من باب البحث عن الأفضل، و بالفعل وجدتها بديلاً جيداً عن القشور، ولكنها غالية الثمن فنحن اشترينا الطن الواحد بسعر 175 دولاراً".

وعن بدائل يستعملها سكان المنطقة تحدث أبو عابد تاجر مواد التدفئة النازح من خان شيخون إلى عفرين، عن أن لفافات أكياس الإسمنت لم تدخل في حيز التجارة، بينما باع التجار في هذا العام نوعاً آخر من مواد التدفئة البديلة كان استخدامه شائعاُ بين الأهالي لإمكانية توفيره مجاناً، وهو إطارات السيارات التي لم تعد ترمى في النفايات، بل تجمع وتباع لتجار مواد التدفئة الذين يقطعونها ويبيعونها بدورهم بسعر ليرة ونصف ليرة تركية للكيلو.

ويضيف أبو عابد: "هناك مواد بديلة أخرى ظهرت مؤخراً مثل زيت الآليات المحروق بعد تبديله في مغاسل السيارات، ويصل سعر الليتر إلى ليرة تركية و25 قرشاً، إضافة إلى نشارة الخشب المضغوطة وحبيبات البيرين. عدا عما كان موجوداً في السابق مثل قشور المكسرات كالفستق الحلبي والألبسة الأوروبية والحطب. أما المشتقات النفطية فهي في نهاية القائمة لكونها الأغلى ثمناً".

أبو ربيع الحموي نازح من ريف حماه إلى شمال إدلب ويعمل ممرضاً، يستخدم حبيبات البيرين في مدفأة قشر الفستق، يحكي لعين المدينة عن تجربته بالقول: "لم يسبق لي أن استخدمت هذه الحبيبات من قبل، ولكنني سمعت عنها من خلال أصدقائي في العمل و قررت هذا العام أن أستخدمها. سعرها مرتفع يصل إلى 165 دولاراً للطن، و لكنها تبقى أرخص من المازوت، وكما أعرف هي عبارة عن تفل الزيتون يقومون بتحويلها صيفاً إلى حبيبات باستخدام آلة مخصصة لذلك".

و كما أن هذه البدائل ظهرت كحل للهروب من غلاء أسعار المحروقات، فقد شكلت في نفس الوقت بدائل أيضاً لكثير من الباحثين عن عمل، إذ يعمل على طول الطرقات في شمال غربي سوريا الكثير من سكان المنطقة في بسطات ومحال بسيطة ارتجلتها الضرورة تبيع هذه البدائل إما بالكيلو أو بالطن وأحياناً بالليتر.

بينما تسجل أسعار المشتقات النفطية ارتفاعاً كبيراً بالنسبة إلى منطقة يعيش غالبية سكانها في "فقر مدقع"، حيث وصل سعر ليتر البنزين الجيد "مستورد" إلى 86 سنتاً أمريكياً، والمازوت "المستورد" إلى 81 سنتاً، والمازوت "المكرر" و"المحسن" 50 و64 سنتاً على التوالي، في حين وصل سعر أسطوانة الغاز إلى 12 دولاراً.