المساعدات العسكرية الأميركية تقوّي الطموحات الكبيرة لميليشيا سوريا الكردية اليسارية

ليز سلاي
واشنطن بوست/
7 كانون الثاني
ترجمة مأمون حلبي

في غرفة صفٍّ سابقةٍ في مدرسةٍ ثانويةٍ في مدينة تل أبيض، كان يتمّ تجهيز قرابة 250 متطوّعاً عربياً من قِبل موجّهين أكرادٍ من أجل تلقي تدريباتٍ عسكريةٍ على يد جنودٍ أميركيين للمشاركة في الحرب المدعومة أميركياً ضد تنظيم الدولة الإسلامية. كان معظم المتطوّعين من قرىً تحيط بمدينة الرقة، ومن المتوقع أن يتم نشرهم لصالح معركة المدينة ذات الأغلبية العربية، الرقة التي تشكل حالياً الهدف الرئيسيّ للجهود العسكرية الأميركية في سوريا.

لكن في البداية، وفقاً للمدرّبين الأكراد، يجب على المتطوّعين أن يتشرّبوا أفكار عبد الله أوجلان، الذي تصنّف جماعته كمنظمةٍ إرهابيةٍ من كلٍّ من واشنطن وأنقرة. كان المشهد يعبّر عن تعقيدات الحرب المدعومة أميركياً ضد تنظيم الدولة في سوريا. حركةٌ كرديةٌ تؤمن بأفكارٍ على النقيض من السياسة الأميركية المعلنة تصبح أوثق حليفٍ ضد المتطرفين.

وحدات حماية الشعب هي الجناح العسكريّ لحركةٍ سياسيةٍ تحكم شمال شرق سوريا منذ قرابة أربع سنواتٍ ونصف. وهي تحاول، طيلة هذه المدة، تطبيق منظورات أوجلان المستلهمة من الماركسية على المناطق ذات الأغلبية الكردية والتي أخْلتها الحكومة السورية أثناء الحرب. على مدار العامين الماضين وثقت هذه الوحدات علاقاتها بالولايات المتحدة، ونتيجة المساعدات الأميركية ومئات المستشارين العسكريين استطاعت السيطرة بشكلٍ متصاعدٍ على أراضٍ كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة. دفعت هذه المكاسب المقاتلين الأكراد إلى التمدد أبعد بكثيرٍ من المناطق الكردية والتوغل إلى أراضٍ ذات أغلبيةٍ عربيةٍ كاسحة، ما خلق تهديداً ليس فقط بإثارة خصوماتٍ عِرقية، وإنما أيضاً بإثارة نزاعاتٍ أكثر اتساعاً.

لتهدئة القلق التركيّ وكبح التوترات بين العرب والأكراد ترسل المؤسسة العسكرية الأميركية السلاح والذخيرة إلى منظمةٍ جامعةٍ تدعى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، تضم مقاتلين عرباً وأكراداً. والهدف، وفق ما يقول الأميركيون، هو بناء قوّةٍ عربيةٍ قادرةٍ على السيطرة على مدنٍ عربيةٍ مثل الرقة، وبالتالي إضعاف نفوذ المقاتلين الأكراد. رفض المسؤولون والمستشارون العسكريون الأميركيون مناقشة تفاصيل التدريبات التي تُقدَّم للعرب في هذه القوّة، وقالوا إنهم لا يعرفون أن المتطوّعين العرب يتلقون دروساً في النظرية السياسية الكردية قبل خضوعهم للتدريبات الأميركية. غير أن المسؤولين الأميركيين يعترفون أن الأكراد يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع ائتلاف قسد، وهم من يقود القتال على الجبهات.

النظريات، التي تصوّرها أوجلان في الأصل كطريقةٍ لتحقيق شكلٍ من الحكم الذاتيّ للأكراد الأتراك، تُطوَّع حالياً لتناسب الظروف السورية بمزيجها المتنوّع من العرب والأكراد والمسيحيين والعلويين والتركمان وغيرهم. وعلى خلاف محاولة إعادة رسم الحدود لإعطاء الأكراد كيانهم الخاصّ، كما في العراق المجاور، يبغي الأكراد السوريون تطبيق رؤية أوجلان لعالمٍ بلا حدودٍ على كل أنحاء سوريا وما بعدها، وفقاً لنصرت آمد خليل، المشرف على التدريب العقائديّ للمتطوّعين العرب. في الصفّ في تل أبيض كان المدرب الكرديّ عكيد إبراهيم حسو يردّ على أسئلةٍ يطرحها شبانٌ عرب حائرون: «ما هو دور الدولة في الأمة الديمقراطية؟» فيجيب حسو: «لا توجد دولة. الدولة أداة اضطهاد». ويسأل متطوّعٌ آخر: «ما الفرق بين الأمة الديمقراطية وشعارات حزب البعث؟»، فيوضح حسو: «الفرق هو أن البعث يحابي العرب، في حين أن نظريات أوجلان تنطبق على كل الجماعات العرقية والدينية».

في مقابلاتٍ بعد الحصة التدريبية قال الرجال إنهم سعداء لتشرّبهم إيديولوجيا وحدات الحماية. أما المحللون وخصوم الوحدات فيتساءلون عن حدود ديمقراطية ومساواتية إيديولوجيا هذه الجماعة. فالاختلاف لا يُتسامح معه، وصور أوجلان تلقي بظلالها فوق ساحات المدن وفي المكاتب العامة، بذات الطريقة التي تسود بها صور الأسد المناطق الحكومية. تقول رنا خلف، مؤلفة تقريرٍ عن حكم الأكراد السوريين: «مع أن المجالس المنتخبة تدير القضايا اليومية في المجتمعات المحلية، تبقى السلطة الحقيقية بيد قادةٍ عسكريين قاتلوا مع تنظيم PKK في تركيا. عملياً، هم مستبدون بقدر استبداد الآخرين». الأكراد الذين يدعمون الأحزاب الكردية المعارضة لوحدات الحماية سُجنوا أو دُفعوا إلى المنفى.

تقدم مدينة منبج صورةً على تناقضات تحالف أميركا مع الأكراد السوريين. يعدّ الأميركيون هذه المدينة مثال النقل الناجح للسلطة من الأكراد إلى العرب بعد تحرير منطقةٍ ما من تنظيم الدولة. لكن العرب الذين يديرون منبج ملتزمون بإيديولوجيا وحدات الحماية، ما يجعلهم في نظر تركيا -ونظر السكان- لا يتميزون عن القوة الكردية، وفقا لآرون شتاين، من المجلس الأطلنطي. فالقوة العربية في منبج، المدعومة من وحدات الحماية، خاضت معارك مع متمرّدين عربٍ مدعومين من تركيا في الريف المجاور، وتركيا تهدد بشنّ هجومٍ للاستيلاء على المدينة.

في حفل تخرّج الـ250 متطوعاً عربياً تم إبلاغهم أنهم سيتوجهون لا إلى جبهات الرقة وإنما إلى حلب كي يواجهوا المتمردين المدعومين من تركيا، حليف أميركا وعضو الناتو. يقول أبو أمجد، قائد متطوّعي منبج: «لدينا أسرى درّبتهم أميركا، ولدى الأتراك أسرى من قواتنا درّبتهم أيضاً أميركا».