المخدرات في الشمال المحرر.. تجار صغار ومدمنون يعرفون العواقب

بعدسة الكاتبة

ساهمت الحرب بانتشار المواد المخدرة التي ظهرت أنواع كثيرة منها في مناطق شمال غربي سوريا، وغدا بيعها وتعاطيها علنياً، لكن مع الكثير من إجراءات الحيطة لدى المروجين المرتبطين بالفصائل العسكرية، والمسوغات لدى المتعاطين، الذين يضمون المرضى النفسيين وطلاب المدارس والجامعات ومصابي الحرب.

الكثير من مدمني المخدرات شمال غرب سوريا أوقعتهم ظروفهم المعيشية المتغيرة والمعقدة باضطرابات نفسية جعلتهم يعتقدون أن السبيل للخلاص مما هم فيه هي المخدرات، وسرعان ما وجدوا أنفسهم تحت وطأتها. فقدان الشاب أسامة (٢٥ عاماً) قدمه اليمنى بالقصف على إدلب مطلع عام ٢٠١٩، دفعه لتناول حبوب الكبتاجون، علّه يجد فيها سبيلاً للخروج من واقع إعاقته وآلامه النفسية التي فاقت آلامه الجسدية، يقول بلهجة يائسة: "أشعر أن حياتي توقفت وباتت دون معنى أو فائدة، لم أستطع التأقلم مع حياة الإعاقة حتى اللحظة، ما الذي يمكن أن يخفف عن شاب فقد كل أمل له بالحياة إلا تناول هذه الحبوب، أو الموت قهراً، ويؤكد أنه لا ينوي التوقف عن تناول الحبوب المخدرة، وإن كان يعي تماماً أنه يؤذي نفسه بها.

تعتبر حبوب الكبتاغون بمختلف أنواعها "سيدة الموقف" اليوم، ومعها بودرة الـأتش بوز“ (كريستال الميث). إضافة إلى أنواع متعددة من الأدوية المخدرة التي راحت تباع في الصيدليات العشوائية دون أدنى رقابة. ويقدم أسامة جردة بالأسعار: "حبة الكبتاجون الواحدة 2500 ليرة سورية، غرام الحشيش بمعدل دولار واحد لكل غرام منه، لكنه يباع بالحصص بأوزان مختلفة تبدأ من ستة غرامات فصاعداً، حتى تصل إلى ما يسمى الكف (الحشيش) ويزن 200 غرام، ويباع أحياناً بـ175 دولاراً، غرام الاتش بوز بين خمسين ومئة دولار حسب النوعية".

يصل أسامة وغيره من المدمنين إلى المواد المخدرة عن طريق المروجين الذين هم على صلة مباشرة بالتجار، وأحياناً يكون المتعاطي ذاته المروج لتلك المواد. وأوضح مصدر في الشرطة العسكرية التابعة لـ"الجيش الوطني" المنتشر شمال شرقي حلب لـ“عين المدينة“، أن المصدر الرئيسي للمواد المخدرة هو الأراضي اللبنانية مروراً بمحافظة حمص، إلى جانب تهريبها من الأراضي التركية، بتسهيل من ”قادة عسكريين تابعين للمعارضة“. تجمع الأخيرين "علاقة تجارية ومصالح متبادلة" مع التجار الذين "يستثمرون أموال القادة بهذه التجارة". وتحدث المصدر عن نسب مرتفعة لمتعاطي المخدرات في الشمال المحرر "فمن بين خمسة أشخاص هناك شخصان كحد أدنى يتعاطيان المواد المخدرة".

حسب العرف السائد بتجارة المخدرات في المنطقة، فالتاجر لا يخبئ المواد المخدرة في منزله، وإنما في المقرات والمزارع والمستودعات المخفية، ويعتبر التاجر الذي يخبئ في منزله مواد مخدرة من صغار التجار والمبتدئين والعاملين على نطاق ضيق.

أحد هؤلاء التجار الصغار التاجر الذي يحصل منه لؤي (٢٠عاماً طالب في جامعة حلب الحرة بأعزاز) على حبوب الكبتاجون، وهو أحد أصدقائه النشطين في الترويج داخل الجامعة أو النادي الرياضي وأحياناً في الحدائق والمقاهي. ويقول لؤي إن صديقه المروج يتعاطى أيضاً، وهو على علاقة مباشرة مع "تاجر مخفي"، فإذا ألقي القبض على المروج فلا يملك معلومات كافية عن العصابة كاملة، باستثناء الشخص الذي تربطه به علاقة مباشرة، وهذا الشخص كثيراً ما يغير أماكن وجوده وسكنه.

الصيادلة يعتبرون تجاراً من نوع آخر للمواد المخدرة من الأدوية التي تستخدم لأغراض المعالجة النفسية، وتصل إلى ٣٠ نوع مثل (ترامادول، ديالين، دبالين، فوستان، بيوغابالين، زولام، أوكسي كودون بلس، كايزول، سيدافيت بلس، موتيفال لكسوتان، لارجاكتيل، كلونازيبام) وتتراوح أسعار هذه المواد بين ١٠ و٢٠ ليرة تركية، وهي "رخيصة جداً مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى"، حسب الصيدلاني محمد الحلاق في مدينة الدانا بإدلب، الذي يعزو كثرة تعاطي هذه الحبوب إلى اﻹحباط والفقر وكثرة اﻹصابات الجسدية.

ويقدّر أن أكثر من ٣٠ شخصاً يقصد صيدليته يومياً للحصول على هذه الأدوية، تتراوح أعمار معظمهم بين ١٧ و٣٥ عاماً، لكنه يرفض بيعهم تلك الأدوية دون وصفات طبية، ليقينه بأنهم يستخدمونها كبديل عن الحشيش والمواد المخدرة، كما يقول.

علا (٢٢ عاماً نازحة من خان شيخون) لا تنكر إدمانها على حبوب الترامادول بعد إصابتها التي تسببت ببتر يدها، وتقول "كان الألم فظيعاً ولا يطاق، حبات الترامادول وحدها كانت تسكن ألم جراحي بعض الشيء، اعتدت تناولها حتى وجدت نفسي وقد أدمنت عليها حتى بعد شفائي“. تصمت قليلاً لتمضي متسائلة "إن كان جرحي العضوي قد شفي، من يشفي جرحي النفسي سوى تلك الحبوب المخدرة، وأنا بت أعيش الإعاقة بكل تفاصيلها".

ولمواجهة الظاهرة التي أخذت بالتزايد أطلقت منظمات مجتمع مدني وفرق تطوعية حملات للتوعية من مخاطر تعاطي المخدرات، لكن من غير الممكن التأكد من مدى فاعليتها، خاصة أنها تقف على الجانب "التوعوي" الذي لا يغفل عنه الكثير من المدمنين في المنطقة اليوم.

ويقضي القانون المعمول به في مناطق "الجيش الوطني" بالحكم على تاجر المخدرات بالسجن 6-15 عاماً، بحسب الكمية التي تضبط لديه، أما المتعاطي فيحكم عليه بين 6 و9 أشهر، بينما يحكم المروج بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات. أما في مناطق "حكومة الإنقاذ" فقد رفض وزير الداخلية فيها الرد على أسئلةعين المدينةبهذا الخصوص.