الليرة السورية تطلق زفراتها الأخيرة

محي الدين ديراني - دمشق

اشتهرت المصارف المركزية بأنها الجهة التي تنظّم السياسة النقدية للبلدان، وتقوم بتمويل التنمية الاقتصادية وتحسين مستواها المتمثل في توزيعٍ أفضل للدخل بين الأفراد، ومكافحة الفقر، ورفع المؤهلات والقدرات البشرية. إلا أن دور المصرف المركزيّ السوريّ تميّز بالاحتيال على المواطن من خلال سحب القطع الأجنبيّ من يده وجلسات التدخل الوهمية، شأنه شأن السياسة العامة للدولة.

ونتيجة ذلك يواصل سعر صرف العملات الأجنبية ارتفاعه، و تتراجع القدرة الشرائية لليرة السورية وتتدهور يوماً بعد يوم، فيما كلّ المعنيين بالقطاع النقديّ يجدّدون أسبوعياً تأكيداتهم الصارمة، ويقدّمون وعودهم غير الصادقة بأن سعر الصرف سيتحسّن، وأن أسعار الأسواق وهميةٌ، ولا تعبّر عن القيمة الحقيقية لليرة.

وفي جولتها المستترة في أسواق دمشق، رصدت "عين المدينة" آراء بعض التجّار. يقول تاجر أقمشةٍ في سوق الحريقة: "هذه الأسطوانة المشروخة مللنا من سماعها، ودفعتنا إلى عدم تصديق كلّ ما يقوله مصرف سورية المركزيّ، ورفض كلّ بياناته وتصريحات مسؤوليه، وعلى رأسهم الحاكم الذي يخرج أسبوعياً ما بين ثلاث إلى أربع مرّاتٍ، في ظهورٍ إعلاميٍّ باهتٍ، وعباراتٍ فارغة المضمون، وبعيدةٍ عن الشيء الذي ينتظره الناس، ووعودٍ أشبه ما تكون بأمل الغرقى في الإنقاذ".

يواصل الدولار الارتفاع وصولاً إلى تخوم 300 ليرةٍ سورية. ما دفع عبد القادر، وهو تاجرٌ في سوق العصرونية، إلى القول: "لا يتجرّأ أديب ميالة، الذي أحالته جامعة دمشق إلى التقاعد لبلوغه سنّ الستين، على مكاشفة الناس ومصارحتهم بنتائج تدخله في سوق بيروت، وهو الإجراء الذي هلّل له كثيراً، واعتبره الكفيل بحلّ المشكلة، وكذلك جدوى بيعه شرائح القطع الأجنبيّ المختلفة".

ويقول أستاذٌ في كلية الاقتصاد طلب عدم الكشف عن اسمه: "لا نجافي الحقيقية إذا اعتبرنا أن ميالة أحد المضاربين على الليرة من خلال نشره لأخبارٍ ومعلوماتٍ غير دقيقة. وكلّ التهم التي وجّهها المركزيّ إلى الذين يضاربون على الليرة افتقدت الحجّة والمنطق". ويضيف: "هل من المقنع أن موقعاً إلكترونياً، أو حساباً على موقع التواصل الاجتماعيّ فيسبوك، قادرٌ على اللعب بسعر الصرف؟ أو تحريكه؟ أو المسّ بمتانة الليرة وتماسكها؟!".

لكن المفاجأة أتت من صحيفة "الوطن" المموّلة من قبل رامي مخلوف، في عددها الصادر في 31- 5- 2015، والتي لطالما قالت إن الدولار سيتراجع أمام الليرة السورية، وإن كلّ من سوّلت له نفسه شراء المعدن البرّاق أو العملة المشؤومة (الدولار) سيندم لا محالة؛ حين كتب رئيس القسم الاقتصاديّ للجريدة: "من غير المقبول أن تكون تصريحات محافظ البنك المركزيّ غير دقيقةٍ، أو وعوده غير قابلةٍ للتحقق، فالمسألة متعلقة بالثقة؛ جوهر السياسة النقدية، ومصدر نجاحها الوحيد".

وكمثالٍ عمليٍّ على ذلك، تذكر الجريدة لقاء حاكم مصرف سورية المركزيّ مع التجّار في غرفة تجارة دمشق وريفها مؤخراً، حين صرّح بأنه سيتمّ تخفيض سعر الدولار 30 ليرةً خلال يومين، وكان ذلك يوم الثلاثاء 19 أيار، وعلى ذلك يجب أن ينخفض الدولار مع نهاية يوم الخميس 21 من أيار. وهذا ما لم يتحقق حتى تاريخه!

لا يجرؤ التجار على رفع سقف انتقادهم للحالة العامة التي وصلت إليها الليرة، ويكتفون بالاستهزاء من أديب ميّالة. لكنهم يعرفون أن الحقيقة تكمن في إفلاس النظام وعجزه عن تعويض خسارته لموارد البلاد التي خرجت عن سيطرته، وارتهانه بشكلٍ كاملٍ للتمويل الإيرانيّ لأنشطته العسكرية والمدنية. إلا أن عدم الإفصاح عن الرأي لا يحول دون قيام هؤلاء التجار بما يلزم لضمان مصالحهم، إذ نجح معظمهم في التكيّف مع اضطرابات أسعار الصرف بحسب "الحقن الإيرانية في دورة حياة اقتصاد الأسد"، كما يقول تاجرٌ شابٌّ نقل رأسماله بالتدريج إلى خارج البلاد وأبقى أعمالاً شكليةً متظاهراً، هو الآخر، بجدّية انتقاده لـ"حاكم مصرف سوريا المركزيّ"، وساخراً في جلساته الخاصّة من "تخبّط العصابة في إدارة أزمتها المالية التي لن تجتازها بنجاح".