بخلاف الشباب السوريين الآخرين، الباحثين عن التسريح من الخدمة الإلزامية أو المنشقين عنها أو المتهرّبين من أدائها ولو على متن البلم إلى أوربا، يبدو المتطوّعون الجدد في الكلية الحربية قادمين من عالمٍ آخر!
فعلى صفحة الفيسبوك الخاصة بالدورة 71 من هذه الكلية، والمفترض أن تلتحق بها في مطلع 2016، يتقافز هؤلاء اليافعون بحماسٍ، مرحين وكأنهم سيلتحقون بحياة جامعيةٍ بهيجة. ولا تبدو لهذا الحماس صلةٌ بدوافع سياسيةٍ أو «وطنيةٍ»، كما يحبّ أدمن الصفحة أن يذكّر في منشوراته المصحوبة دوماً بصور بشار وآل الأسد وعلم النظام... إلخ. إذ كما يتجاهل هؤلاء «الأغرار» ما هم مقدمون عليه من مخاطر بالتطوّع كضباطٍ في أتون «حربٍ» ضارية؛ تغيب عن تعليقاتهم آثار الدعاية الرسمية المفترض أنها قادتهم إلى هذا الخيار.
أنشئت الصفحة بالتزامن مع فتح باب الانتساب، وليس لها جمهورٌ تقريباً سوى السائلين عن الشروط والأوراق اللازمة. يكرّر الأدمن دون كلل: باب التطوّع مفتوحٌ لحملة الشهادة الثانوية 2015 بكافة فروعها، دون تحديد عام الحصول عليها ودون تحديد معدلٍ للعلامات. يجب أن لا يتجاوز عمر المنتسب 26 عاماً. اختصرت مدّة الدراسة هذا العام، لأول مرّةٍ، إلى سنتين بدل ثلاث سنواتٍ سابقاً. يقضي الطلاب سنةً دراسيةً عامةً تنتهي بامتحانات، تليها السنة الثانية التي يتوزّعون فيها على اختصاصات المدرعات والمشاة والمدفعية... إلخ. يبدأ راتب طالب الضابط بعد 4 أشهر من الدراسة من مبلغ 20000 ليرة، تضاف إليه «المنحة» بعد شهرين من ذلك. الأولوية لأبناء الضباط والشهداء. «الدراسة الأمنية» هي الأساس وباقي الفحوصات «شكلية». سيتمّ استيعاب معظم المتقدّمين في هذا العام بسبب العدد الكبير المطلوب. تمّ تمديد الوقت المتاح للانتساب...
وعبثاً يحاول الأدمن بثّ الإيقاع الحربيّ في الصفحة: «جنووووود الأسددددد قادمووووون»؛ «الجيش العربي السوري شارة النصر الحاسم»؛ «أبناء القائد الخالد حافظ الأسد». إذ ينشغل اليافعون بالأوراق، التقديم، موافقة الفرع 93، التبليغات، ويتفاعلون أحياناً حين يذكّرهم بأنهم «أبناء علي الميامين». ورغم ذلك لا ينقص من حماسهم للالتحاق شيء، بخلاف متطوّعين سابقين يدخلون أحياناً للترحيب بالمستجدين ويوصونهم بأن يستمتعوا بالأيام المتبقية لهم من الحياة المدنية، وبأن يملّوا أنظارهم من البطاقة الشخصية، وبأن يشبعوا من شرب المتة.
وبحسب دورة المتقدّم يخفت حماسه؛ فإذ يستعدّ أبناء الدورة 70 لاستقبال زملائهم الجدد (البني، بحسب الوصف الدارج انطلاقاً من لون البدلة) توجّه صفحتهم الخاصّة تحيةً «لكل بنت حبيبا عسكري... وبتنطر بالشهر والشهرين لتشوفو مرّة... ولا بتزعلو ولا بتخونو وبتحافظ عليه...». أما صفحة الدورة 69، التي تخرّجت للتوّ، فتكتب مخاطبةً السوريّ المدنيّ: «ناقصك غاز؟ في عسكري عم يحارب عالجبهة ناقصو رصاص». في حين نعثر على صفحتين للدورة 68؛ الأقدم منهما باسم «الدورة 68 الأسطورة»، والأحدث باسم «شهداء الدورة 68 حربية». بينما تزدان صفحة الدورة 67 بصور هؤلاء الملازمين الشرف، وهو وصفٌ تمنحه السلطة للعسكريين الذين يقتلون في معاركها. ويكتب أدمن الصفحة: «الله يرحم شهداء هي الدورة، ويحمي جميع ضباطها الباقين». في حين لا نعثر على صفحةٍ لطلاب الدورة 66 التي شارفت على الانقراض، كما يبيّن تقريرٌ استقصائيٌّ ممتازٌ أعدّته مجموعة مراسل سوري بعنوان: «الكلية الحربية في حمص-الدورة 66... ماذا حل بها؟!».
إلى متى سيبقى هؤلاء الشباب يتدافعون ليكونوا «فراطة» في جيب بشار الأسد؟!!!