الكلور السائل ينفد في محطّات معالجة المياه

تيفوئيد والتهابات كبدٍ بسبب مياه الشرب الملوّثة
وسكان البوكمال يشاهدون كائناتٍ دقيقةً من "الحنفيات"

أوقفت أكثر من 70 محطّةً من محطّات تصفية المياه، في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" من محافظة دير الزور، عمليات تعقيم المياه، بسبب نفاد مخزونها من مادة هيبوكلوريت الصوديوم، المعروفة بالكلور، وهي المادة اللازمة في عمليات تعقيم مياه الشرب في محطّات التصفية.

جاء نفاد مادة الكلور نتيجة توقف منظّمة الهلال الأحمر السوريّ، ومنذ أربعة أشهرٍ (نشرت "عين المدينة" في حينه تقريراً في هذا الخصوص، في العدد 43) عن تزويد محطّات التصفية الخارجة عن سيطرة النظام بهذه المادة، بضغوطٍ من النظام على المنظّمة، في خطوةٍ انتقاميةٍ إثر إحكام التنظيم الحصار على الأحياء الواقعة تحت سيطرة قوّات الأسد في مدينة دير الزور. وقبل ذلك كانت داعش قد منعت جميع المنظّمات الإنسانية ذات الصلة بمياه الشرب، وغيرها من المنظّمات، عن العمل. ثم قابل مسؤولو ما يسمّى بـ"ديوان خدمات المسلمين"، وهو المكتب المختصّ بشؤون الخدمات العامة في داعش، توقّف إمدادات الكلور بكثيرٍ من التعالي والاستخفاف. وأكّد بعض مسؤولي الديوان قدرتهم على "حلّ المشكلة". ولكنهم لم يقوموا، وخلال أشهرٍ من النفاد المتتالي للكلور في محطّات المياه، بأيّ عملٍ مسؤولٍ في هذا الشأن.

ولكن، وبعد أن تأكّد عجزهم التامّ عن تأمين أية كميةٍ من مادة الكلور، لجأ مفوّضو التنظيم إلى مخاطبة بعض المنظّمات سرّاً، في محاولةٍ لإقناعها بالعودة إلى العمل في دير الزور وفق شروطٍ، من جانب داعش، أبرزها أن لا تعلن هذه المنظّمات أو توثّق أيّ عملٍ من أعمالها هناك. وبدوافع إنسانيةٍ محضةٍ بدأت ثلاث منظّماتٍ أعمال صيانةٍ جزئيةٍ لبعض محطّات المياه، بالتزامن مع نجاح الهلال الأحمر السوريّ في إيصال ما يعادل 20 ألف ليترٍ من الكلور السائل إلى مناطق سيطرة داعش في دير الزور، وهي ربع الكمية الشهرية التي تحتاج إليها أكثر من 90 محطّةً تقع في هذه المناطق، بالحدّ الأدنى. ويأمل ناشطو الهلال أن يخفّف كلٌّ من نظام الأسد وتنظيم داعش من إجراءاتهما العقابية المتبادلة بشكلٍ تستثنى معه بعض اللوازم الحيوية من المنع. في حين تحاول أكثر من منظّمةٍ إنسانيةٍ التدخّل لتأمين بعض الإمدادات من هذه المادة، في ظلّ الظروف المعقّدة والمتغيّرة بين شهرٍ وآخر على المعابر الحدودية مع تركيا، وعلى خطوط التماس بين مناطق سيطرة قوىً عسكريةٍ مختلفة.

وحتى ذلك الحين ستنفد مخزونات المحطّات المتبقية من مادة الكلور، خلال أسبوعين إلى ثلاثة، بحسب تقديرات مقرّبين من "ديوان خدمات المسلمين"، بعد أن نفدت بالفعل في معظم شريط القرى والمدن والبلدات على نهر الفرات شرق وغرب مدينة دير الزور. ليضطرّ مئات الآلاف من السكان هناك إلى شرب مياهٍ غير معالجةٍ، تحوي مستوياتٍ عاليةً من البكتريا والجراثيم الممرضة التي تسبّب قائمةً من الأمراض الوبائية الخطيرة على رأسها الحمى التيفية والتهابات الكبد، وهي الحالات الأكثر ظهوراً منذ شهرٍ تقريباً بين مراجعي العيادات والمشافي، وخاصّةً لدى الأطفال، في تجدّدٍ لهجمةٍ وبائيةٍ أشدّ خطورةً من سابقتها، في العام 2013، حين بلغ عدد المصابين بالتيفوئيد أو الحمى التيفية وقتها أكثر من 2500 مصابٍ. ويصعب اليوم إعطاء أية تقديراتٍ عن أعداد من أصيبوا حتى الآن، وذلك للأسباب المعروفة من تكتم التنظيم ومنعه الكوادر الطبية من إعلان أية أرقام.

وفي مدينةٍ كبيرةٍ مثل البوكمال يتحدّث الناس عن ظهور كائناتٍ دقيقةٍ تشاهد بالعين المجرّدة في المياه المتدفقة من الشبكة العامة عبر "الحنفيات"، بسبب توقّف التعقيم في محطّة التصفية، مما دفع من يستطيع شراء المياه المعلبة إلى فعل ذلك. وظهرت عبوات مياهٍ محليةٌ مُلئت من آبار البادية القريبة، إلى جانب المياه المعدنية الأغلى ثمناً والقادمة من خارج المحافظة. في حين استسلم أغلبية السكان لقدرهم مع المياه الملوّثة. وكذلك الحال في القرى والبلدات الأخرى من دير الزور.

في تقريرٍ خاصٍّ عن مياه الشرب في دير الزور، نشرته "عين المدينة" في العدد 42، يبلغ عدد محطّات تصفية مياه الشرب في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش 96 محطّةً، تحتاج إلى أكثر من 80 ألف ليترٍ من الكلور السائل شهرياً. ويقيّم مختصّون الجاهزية الفنية لهذه المحطّات اليوم بأنها مقبولةٌ، وخاصّةً بعد توصيل التيار الكهربائيّ من محطّة التوليد في حقل العمر إلى معظم هذه المحطّات، مما يجعل من تأمين الكلور المشكلة الوحيدة تقريباً أمام تزويد السكان بمياهٍ صالحةٍ للشرب.