عدسة زياد مطر | خاص عين المدينة
القنابل غير المنفجرة... والألغـام الأرضية
موت مؤجّلٌ وفجائيٌّ يتربَّص بالمدنيين
أيمن سليمان | وائل الخلف | منى العبد الله
تعتبر الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة من أخطر التهديدات الجانبية المرافقة لأعمال الحرب، ولم تحظَ هذه الظاهرة بالقدر الكافي من الاهتمام في المناطق المحررة. حاولت «عين المدينة»، ومن مواقع متعددة، رصد هذه القضية.
قصصٌ قصيرةٌ ومؤسفة
في الأرض الزراعية المجاورة لمنزلهما في مدينة موحسن ـ شرق دير الزورـ كان الطفلان الشقيقان (طارق 11 سنة، وبراءة 10 سنوات) يلعبان، وكانت تلك لعبتهما الأخيرة، عندما قادتهما الرغبة بالاكتشاف إلى الاقتراب من جسمٍ معدنيٍ غريب، حمله طارق ضاحكاً، قبل أن يسقط منه وينفجر، ليودي بحياته وحياة شقيقته. لم يكن هذا الجسم، الذي أثار فضول الصغيرين، سوى قذيفةٍ غير منفجرةٍ أطلقتها قوات الأسد من مطار دير الزور العسكري، في قصفها اليومي والمتكرر على موحسن. ومن المدينة نفسها أيضاً قصةٌ أخرى لم يمت فيها هذه المرة أحد، فبعد نوبة قصفٍ براجمات الصواريخ خرج اليافعان (شبيب وأحمد) لرعاية قطيعٍ صغيرٍ من الأغنام فشاهدا صاروخاً منغرساً في الأرض الزراعية الرخوة، وبنوعٍ من العبث والمشاكسة أخذ كلٌّ منهما يرمي هذا الصاروخ بالحجارة، لينفجر فجأة، ولم يصابا ولحسن حظهما بمكروه، وربما تكون قصة هذين الراعيين هي الوحيدة من قصص الانفجارات المؤجلة التي لم تنتهِ نهاية محزنة.
ومن قرية المريعيّة، المجاورة للمطار العسكري، لم يكن راعي الأغنام أحمد حمود العاشق يتوقع مصدراً آخر للموت سوى القصف المباشر من هذا المطار، لكن هذا لم يحدث، بل جاءه الموت من لغمٍ أرضيٍ زرعته قوات الأسد في عملية تسللٍ سابقة كما يبدو، بعيداً عن المطار في الأراضي الزراعية للسكان. انفجر هذا اللغم بأحمد العاشق، الذي أسعف إلى مشفى موحسن الميداني ووصلها وقد فارق الحياة.
يعلق وائل الناصر، الطبيب في المشفى الميداني، على هذه الأحداث بالقول: استقبلت المشفى، منذ تأسيسها قبل أكثر من عامٍ وأربعة أشهرٍ، عشرات الإصابات الناجمة عن القذائف والقنابل التي لم تنفجر لحظة سقوطها وانفجرت في وقتٍ لاحق. وجميع هذه الحالات هي لمدنيين، يأتي الأطفال في أغلبيتهم، لأنهم لا يدركون الخطورة الكامنة في هذه القذائف. وتتراوح الأضرار بين الوفاة الفورية وبين بتر الأطراف. وما يمكن أن يفعله الأطباء في هذا الحالات قليلٌ للأسف، وخاصةً مع الضعف الكبير في الإمكانات والتجهيزات.
من واجب المنظمات الدولية المعنيّة أن تنظّم دورات تدريبيّة خاصّة لعناصر الدفاع المدني الذين ترشحهم المجالس المحلية. وأن تسهم في تجهيز هذه المجالس بالمستلزمات الكفيلة التي يتطلبها التعامل مع قضية كهذه، هي من قضايا الحياة والموت.
الدفـــــــــــاع المــــدني: مهمــــــــةٌ أخــــرى للمجالس المحلية
يبدو علي الصالح، رئيس المجلس المحلي لمدينة موحسن، مهتماً جداً بهذه القضية التي يصفها بالخطيرة، ويأسف للضحايا الذين سقطوا جراء الانفجار اللاحق للقذائف والقنابل التي أطلقت من قبل قوات النظام على مدينته، مع أن الأهالي هناك يتمنون أن لا تنفجر أي قذيفة أو صاروخ يطلقان في نوبات القصف اليومية عليهم. وهذه أمنيةٌ رائعة لكنها مشروطة بالتعامل الصحيح مع هذه الأجسام غير المنفجرة، من قبل المجالس المحلية لأنها الجهة الإدارية والتنفيذية التي يتوجّب عليها معالجة هذه المشكلة الخطيرة والمتجدّدة. يقول الصالح: نحن الآن بصدد تأسيس مكتبٍ للدفاع المدني يتبع للمجلس المحلي في موحسن، مهمته الأولى شؤون السلامة العامة والتعامل مع القذائف غير المنفجرة والألغام الأرضية وغيرها من الظواهر، مثل الحرائق الناجمة عن القصف وانتشال المصابين من تحت الركام، وغير ذلك من المهمات. وكلها صعبةٌ تضاف إلى المهام الثقيلة الملقاة أصلاً على عاتق المجلس بمكاتبه المختلفة. ويضيف الصالح: نحن في المجلس المحلي نحضّر لدورةٍ تدريبيةٍ لأعضاء مكتب الدفاع المدني المزمع تأسيسه، وننتظر خبيراً مختصاً سيأتي للتدريب في هذه الدورة. وقد رفعنا دراسةً واسعةً أو مشروعاً للدفاع المدني على مستوى محافظة دير الزور كلها، وننتظر الاهتمام به والاستجابة له من الهيئات ذات الصلة.
ويختم الصالح حديثه لـ«عين المدينة» بالقول: خلال الأشهر الماضية، لم نستطع التعامل مع ظاهرة القذائف غير المنفجرة إلا بطريقةٍ واحدةٍ هي إبعاد المدنيين عن الموقع، والاتصال ببعض الكتائب من الجيش الحرّ لتأتي وتتعامل مع هذه القذائف. ويضيف الصالح: نأمل اليوم أن يجهّز مكتب الدفاع المدني بكل التجهيزات اللازمة من آلياتٍ ومعدّات، وخاصة مع الشحّ في موارد المجلس المحلي لموحسن.
أما المجلس المحلي للجزء المحرّر من مدينة دير الزور فقد سبق بقية المجالس في المحافظة بتأسيس مكتبٍ مختصٍّ بالدفاع المدني. وأثبت هذا المكتب فاعليةً كبيرةً بالقيام بواجباته، وهي كثيرة حقاً في مدينةٍ قد تستمرّ نوبة القصف من قبل قوات الأسد عليها عدة أيام. ويقول المهندس حسين الحيجي، رئيس المجلس المحلي للمدينة: كثيرةٌ هي القذائف التي سقطت ولم تنفجر. وتعلمنا مع الزمن التمييز بين القديم من حشواتها والجديد. ويسعدنا أن تكون جميع ذخائر الاسد وقنابله فاسدة، بالرغم من خطورتها اللاحقة، إلا أن هذا يعطينا فرصةً لعمل شيءٍ ما، وعلى الأقل تحذير الناس من الاقتراب من مواقع الخطر، التي تشكل مصدراً كبيراً للقلق والخوف. وقبل أسبوع مثلاً ـ يضيف الحيجي ـ أطلقت طائرة أسديّة صاروخين سقط أحدهما أمام جامع السرايا ولم ينفجر. والغريب أنه لم يتضرّر أبداً بالسقوط، بل بقي على حاله وبكامل هيئته، ليشكل رعباً كامناً لم يستطع مكتب الدفاع المدني في المجلس التعامل معه، لقلة الخبرة والإمكانات. وكذلك عجزت بعض كتائب الجيش الحر، التي نستعين بها في العادة، عن ذلك. وما زال الصاروخ في مكانه، وغيره العشرات تشكل تهديداً رهيباً يضاف إلى التهديدات الأخرى على حياة السكان. ويطلق رئيس المجلس في ختام كلامه نداءً عبر «عين المدينة» يخاطب فيه كل مؤسسةٍ أو هيئةٍ أو منظمةٍ تستطيع المساعدة في تدريب وتجهيز مكتب الدفاع المدني، إنقاذاً لأرواحٍ كثيرةٍ قد تزهق بهذه المتفجرات الموقوتة، وخاصة مع عودة كثيرٍ من الأهالي إلى المدينة بعد نزوحٍ مريرٍ آثروا عليه الرجوع إلى بيوتهم، مما يعني زيادة الاحتمال بوقوع عددٍ أكبر من الضحايا بهذا النوع من الحوادث.
ومن البوكمال في أقصى شرق المحافظة، يتذكر عضو المجلس المحلي خليل الجليد قصة الطفلين الشقيقين خالد وأحمد الحلاق، والتي تعود إلى كانون الأول من العام الماضي، إثر تحرير مقر المخابرات العسكرية في هذه المدينة، عندما قصفت الطائرات الأسدية محيط المقرّ بالقنابل العنقودية، ولم ينفجر بعض هذه القنابل ساعة القصف، بل انفجر لاحقاً، وفي أيدي الطفلين الشهيدين اللذين كانا يلعبان في مكانٍ مجاورٍ للموقع.
نصائــــــــــح من الجـــيــش الحـــــــــر
تعتبر القنابل العنقودية التي ترميها الطائرات هي الأشد خطراً على الإطلاق، كما يقول الملازم أول في الجيش الحرّ عبيدة أبو جرّاح، وذلك لسهولة انفجارها. وتليها في الخطورة قذائف الهاون والمدفعية والدبابات. وينبّه إلى أن التعامل مع المقذوفات غير المنفجرة هي من اختصاص عناصر كتائب الهندسة المدرّبين على التعامل معها. ويقترح أبو جرّاح أن يقوم ضباط الهندسة من الجيش الحر بتدريب عناصر مكاتب الدفاع المدني.
ويقدّم عقيدٌ في الجيش الحر عدة نصائح تتلخّص في تحديد موقع الجسم الخطر وإحاطته بما يتوفّر من علاماتٍ وإشاراتٍ في البيئة المحيطة، كالحجارة أو أكوام التراب، وإبعاد المدنيين عن الموقع بمسافةٍ لا تقلّ عن 200 مترٍ، مع الانتباه لاحتمال أن ينفجر المقذوف بمؤقتٍ زمنيٍّ أُعدَّ من قبل العدو بقصد إيقاع أكبر الأذى في صفوف المدنيين. ومن ثم استدعاء عناصر الهندسة المختصّين ليتمّ نزع صمام التفجير أو الصاعق، وإن تعذّر ذلك عليهم تحريك المقذوف بحذرٍ ليكون ظاهراً لقنّاصٍ ماهرٍ يستطيع إصابة الصمام من مسافة 100 مترٍ إن تحصّن بحفرة، أو يبتعد إلى 200 مترٍ إن لم تتوفر هذه الحفرة.
وعن التخلّص من الحشوة المتفجرة يقول هذا الضابط: على عناصر الهندسة، وبعد نزع الصمام، أن يربطوا الحشوة بسلكٍ طويلٍ إلى مسافةٍ آمنة، وربط ذلك السلك بمصدرٍ كهربائيٍ لتفجيرها والتخلص منها. ويؤكد العقيد، الذي عاش لسنواتٍ طويلةٍ مع السلاح والقذائف وصمامات التفجير، أن هذه الطريقة بالتخلص من الحشوات المتفجرة تناسب جميع أنواع القذائف من مدفعيةٍ وهاونٍ وعنقوديةٍ ودبابات. ويضيف أخيراً نصيحةً عمليةً جداً في الحالة التي تتعذّر فيها الأساليب السابقة كلها، بتجهيز قذيفة المولوتوف البدائية، أو أي مصدرٍ ناريٍ يمكن رميه إلى جوار المقذوف، لرفع درجة حرارته إلى مرحلة الانفجار، مع أخذ احتياطات الأمان اللازمة.