القابضون على الجمر.. مشاريع برنامج «تمكين» في قرية دير حسّان

 

أبو محمد الإدلبي

لعله من الأمور الشائعة أن يكتب متابعو أمور المناطق المُحرّرة في سورية عن النقاط السلبية الكثيرة، بهدف أن يتمّ تجاوزها من قِبلِ المعنيين، وأن يتمّ فضح من وراءها، لأنّ غاية الإعلام الحرّ هي الدفاع عن شعبٍ ضحّى وما زال يُضحّي –مرغماً أحياناً– بالكثير في سبيل حياةٍ أفضل، حياةٍ عادلةٍ وكريمة. لكنّ الواجب يقتضي أن نُبرز الإنجازات والتضحيات والعمل الجبار الذي يقوم به بعض الشباب الذين لم ينجرفوا مع التيار، وبقوا يعملون ويفكّرون ويتعبون ويكافحون ضد ذواتهم وضد الأفكار السلبية السائدة وضد كافة المعوّقات، من أجل بناء جدارٍ يستند إليه الفقراء والمساكين. ومن أبرز الأعمال التي أُنجزت في هذا المجال مشاريع «برنامج تمكين» في المناطق المُحرّرة، وسيكون مثالنا هو ما أُنجِزَ في قرية «دير حسان» في شمال إدلب. «تمكين» برنامجٌ تابعٌ لوزارة التنمية البريطانية، يعمل في المناطق المحرّرة من ريف دمشق، ودرعا، وحلب، وريف إدلب، منذ ثلاثة أعوام. يُقدّم البرنامج المال لإنجاز مشاريع يختارها المجتمع الأهليّ حسب احتياجاته ضمن ما يُسمّى «الإدارة الرشيدة». عنوان هذا البرنامج الشفافية والعلنية والمشاركة المجتمعية ضمن آلياتٍ وخطواتٍ عمليةٍ تمنع الفساد ولا تعطي مجالاً سوى للعمل النظيف وللمبادرات الخلاقة. يقود عمل هذا البرنامج شبابٌ سوريون مؤهلون تأهيلاً عالياً: علمياً وثقافياً وأخلاقياً. يُنفّذ البرنامجُ مشاريع في مجالات البُنى التحتية والصحة والتعليم وتحسين مستوى المعيشة عبر إنشاء أعمالٍ استثماريةٍ وتأهيل كوادر من خلال دورات تأهيلٍ للشباب المتطوّع الراغب في العمل. طُرح اسم قرية دير حسان للدخول في البرنامج، الذي انتدب موظفاً لديه بمهمة «منسقٍ ميدانيّ»، جاء إلى القرية واجتمع مع الوجوه المعروفة وطرح عليهم الفكرة وطلب منهم تشكيل لجنة تُدير العمل، وشدّد على أن تكون من الموثوق بهم. تكوّنت لجنةٌ من ستة أشخاصٍ برئاسة طبيب الأسنان حسن منصور، المعروف على نطاقٍ واسعٍ والمحبوب من الجميع. يقول د. حسن: «عندما رأيت إخوةً من مناطق أخرى يعملون من أجل قريتنا لم أتردد لحظةً واحدة. كان عملي في عيادتي يستغرق مني وقتاً طويلاً وجهداً هائلاً، لكن القرية تستحق مني أن أضحي بما يتبقى لديّ من وقتٍ مُخصّصٍ لعائلتي ولأصدقائي». ابتدأ العمل حسب ما هو مخططٌ له: اجتماعاتٌ عامةٌ مع الناس –جرت عادةً في المسجد– لطرح الفكرة واختيار المشاريع التي تحتاجها القرية. ثم جرى استبيانٌ خطيٌّ لحوالي 500 رجلٍ ومثله للنساء، وكانت هناك لجنةٌ نسائيةٌ تتواصل مع نساء القرية وتُشركهم مثلهم مثل الرجال، إلى أن تمّ اختيار المشاريع التي قدّمت للبرنامج للموافقة عليها والبدء في تنفيذها، وهذا ما كان. يقول الأستاذ معتز قدور، المنسق الميدانيّ للبرنامج، وهو من قرية أطمة: «عندما جئت إلى دير حسان اعتمدت على بعض الأصدقاء في جمع الناس حول الفكرة، وفي تشكيل اللجنة، إلى أن انطلق العمل بسرعة. صادفتنا معوّقاتٌ كثيرة، لكننا تجاوزناها بهمةٍ عاليةٍ إلى أن تمّ إنجاز المشاريع». تم انتقاء أربعة مشاريع: إحصاءٌ طبيٌّ للأمراض الموجودة في القرية، وهو مشروعٌ مشتركٌ مع قرية (تل عادة)، وبناء مستوصفٍ للقرية، وكان هذا المشروع من اختيار اللجنة النسائية التي شاركت في الإشراف على بنائه وبناء منهل ماء، وهو ما سهّل تأمين الماء لجميع سكان القرية بأسعارٍ معقولةٍ جداً بدلاً من نقله من مناطق بعيدةٍ وبكلفةٍ زائدة. أما المشروع الرابع فكان تعبيد جزءٍ من طريق القرية الرئيسيّ. يقول د. حسن: «نشعر بحلاوة الانتصار على واقعنا. كانت الصعوبات هائلة. نحن لجنةٌ تطوّعية، وهذا أمرٌ نادرٌ في مجتمعنا. كانت مشاركة المجتمع في قريتنا ضعيفةً وسلبية، يحضر ثلاثون رجلاً اجتماعاتنا العامة فيما سكان القرية حوالي 8000 نسمة. كنا نسمع السخرية والاستهزاء والتحدي. كانت اللامبالاة هي السمة العامة للسكان. ربما لم يكن عملنا مثالياً تماماً، فخبرتنا ضعيفةٌ ووقتنا ضيق، لكننا واصلنا الساعات الطوال في عملنا. انقطاع مادة المازوت وارتفاع سعرها، والطقس الشتوي وقسوته، عوامل لم تكن بلا تأثير. تُضاف إلى ذلك الوعود التي أخلَّ بها بعض من تعاقدنا معهم... لكننا صبرنا وقطفنا الثمار. مبروك لأهل القرية». كان المبلغ المُقدّم لإنجاز هذه المشاريع 40000 دولارٍ أمريكيّ. لكن البرنامج وافق على مرحلةٍ ثانيةٍ بمبلغٍ يقترب من 50000 دولار، وبدأت اللجنة عملها من جديدٍ بنشاطٍ أكبر وخبرةٍ أفضل وسرعةٍ جيدةٍ لتحقيق مشاريع المرحلة الثانية.