العرعوريَّات..
سيَّاراتٌ رخيصة من مصادر مختلفة
لعلّ المبكي في الثورة السورية كثيرٌ وكثيرٌ جداً، ولكن ذلك لم يمنع من وجود فسحةٍ للمفارقات المضحكة في بعض المواطن، ولعل تسمية السيارات العرعورية واحدةٌ من تلك المفارقات. فبمجرد سماعك الاسم تجول بخاطرك أسئلةٌ عديدة: كيف جاءت هذه التسمية؟ ولماذا ارتبطت باسم الشيخ العرعور، أحد أشهر المحرّضين التلفزيونيين في الثورة؟ وتتساءل أيضاً عن سلبيّة هذا التسمية أو إيجابيتها؟ وغيرها وغيرها من التساؤلات التي تستفزّ المخيلة. ولاكتشاف سرّ هذه التسمية كان لا بدّ من الاستماع لآراءٍ عديدةٍ من الشارع، لأن التسميات التي يخترعها المخيال الشعبي ترافقها دوماً رواياتٌ عدّةٌ قد تكون واحدةٌ منها، أو أكثر، صحيحةً.
أبو أحمد (مالك سيّارة خاصّة):
ارتبطت تسمية العرعوريّة بنوعٍ من السيّارات الحديثة والمستعملة القادمة من تركيا، والتي تباع في مكاتب انتشرت في مدن وريف المناطق المحرّرة، أي في مناطق كثيرةٍ من دير الزور والرقة وحلب. وتتميّز هذه السيّارات بأنها، ورغم كونها مستعملة، آليّاتٌ (نظيفة)، أي أنها لم تستعمل إلى درجةٍ أثّرت على مواصفاتها، سواءً كآلية عملٍ أو كمنظرٍ خارجيّ (الشاصَيه، الفرش الداخلي). ودخولها حديث العهد، أي بعد أن حرّرت هذه المناطق، وذلك بسبب القيود التعجيزيّة التي كان يفرضها النظام على شراء السيارات، والتي تعتبر من الأشدّ على مستوى العالم.
ويتابع أبو أحمد: هذه السيارات بدون نمرة، لأن دخولها غير نظامي، الأمر الذي يؤثّر على عمليات اقتنائها وبيعها وشرائها. فبمجرّد أن تستقرّ البلاد سيضطرّ مالك السيارة إلى دفع الرسوم، سواء أكانت قليلةً أم كثيرة، ليستطيع الحفاظ على سيارته، وإلا سيبقى استخدامه لها مرهوناً بأماكن معينة في الريف ليس إلا.
جاسم العلي (سائق تكسي عمومي):
عند سؤال هذا الشاب عن التسمية أجاب بدايةً بضحكةٍ يشوبها شيءٌ من النقمة والسخرية، الأمر الذي دفعنا لمعرفة المزيد منه حول هذه النقطة، فأردف قائلاً: هذه التسمية تعبيرٌ عن نماذج عديدة من السيارات، لا من حيث النوعية إنما من حيث المصدر والمشروعية. فهناك كلامٌ عن سرقة آلاف أرقام (نِمَر) السيارات من مديرية نقل حلب، وبيعها بطرقٍ غير مشروعة، لتوضع على سياراتٍ سُرقت من حلب وريفها والرقة وريفها، وتباع في مناطق أخرى مثل ريف دير الزور، وبأسعارٍ أقلّ بكثير من قيمتها الحقيقية. وهذه السيارات حديثة غالباً، وذات مواصفاتٍ ممتازة، وغالية الثمن بالأساس، بحيث أنها تشكل إغراءً لفئة الزبائن الذين لا يهمّهم موضوع الحلال والحرام كثيراً. طبعاً هذا لا ينفي أن بعض هذه السيارات المسروقة تكون من دون نمرة. أما عن التسمية فقد وضّح: ارتبط اسم العرعور بالثورة، كونه الاسم الأشهر الذي شجّع على العسكرة، من إقامة الحواجز إلى خروج دوريات حراسة عند كل حيّ، إلى التجييش بخطابه الغنيّ عن التعريف، الأمر الذي أدّى ـ مع عوامل أخرى ـ إلى حرف الثورة عن مسارها السلميّ، فلذلك أحبَّ البعض ممن كان ضد العسكرة أن يربط بين أمر هذه السيارات المريب وبين الشيخ العرعور، لأن الاثنين موضع انتقادٍ.
العرعوريّات، وريبةٌ تستوجب الانتباه:
محمد الحسين، رجلٌ أربعينيٌّ عانى من حادث سيرٍ سبّبته إحدى هذه السيارات، وصفه بالقول: عندما كنت أمشي وقت العصر في أحد الشوارع العامة، وكان حينها لا يحتوي سوى القليل من المارّة والسيارات، صدمتني سيارة (مفيّمة)، الأمر الذي أوقعني على الأرض وتسبّب في كسر ساقي، واحتجت إلى عدّة شهورٍ لمعاودة السير بشكلٍ طبيعي. ولم يتمكن أحدٌ من معرفة السيارة لأنها بلا نمرة، ولم تكفِ مواصفاتها في هذه العجالة لمعرفتها بدقة.
أبو مناف (تاجر سيارات):
حدثنا أبو مناف عن وضع هذه السيارات في السوق، فقال: هناك طلبٌ متزايدٌ على هذه السيارات، بسبب المال الذي يوفّره استثمار النفط من قبل الكثيرين. وأسعارها ليس رخيصةً بالضرورة، إذ تبدأ من 400 ألف ل. س لتتجاوز المليون في بعض الحـــالات، حسـب جودة ونـدرة الســـيارة.