تحت عنوان "قل للذين كفروا ستُهزمون" نشر تنظيم داعش مؤخراً آخر خطب ناطقه الرسميّ طه فلاحة، أو من يعرف بأبي محمد العدناني. وفي حين لم تختلف هذه الخطبة عما سبقها من حيث الأسلوب، فإن النقاط التي ركّزعليها العدناني تعكس عقلية التنظيم في مرحلة ما بعد التدخل الروسيّ، وتلخّص الحالة الذهنية لقياداته عموماً.
كفّار الدرجة الأولى والثانية
التزاماً منه بشرح عنوان خطبته؛ يبدأ العدناني تعداد الكفار الذين يتوعّدهم بالقتال والهزيمة، لتشمل قائمته الصليبيين، والروافض، والعلمانيين، والمرتدّين، واليهود، والكفار أجمعين، وفق تعبيره. لينتقل سريعاً إلى الحديث عن كيف "تحطمت أسطورة أمريكا التي لا تقهر، وبان عجزها وضعفها ظهر"، مستدلاً على ذلك بتمدّد التنظيم إلى تدمر والسخنة والقريتين. فيما يقطع الشك في مسألة نزول أمريكا وحلفائها إلى الأرض لاحقاً بقوله "حتى تنزلوا بدابق الذي فيه بإذن الله ستكسرون، وتهزمون وتغلبون... ولتكون نهاية أمريكا وخرابها". وبعد تبيان حال أمريكا المستسلمة لقدرها يعرض فلاحة "عليها" حلاً واقعياً: "فإن أردتِ أقل الخسائر فعليكِ دفع الجزية لنا والاستسلام". وهنا ينتهي دور أمريكا وروسيا، التي ذكرت 4 مرّاتٍ فقط في الخطاب لا بصفتها تشنّ عدواناً على المدنيين وكتائب الجيش الحرّ وتستثني داعش، وإنما بكونها من جملة من تستجديهم أمريكا ليساعدوها بعد أن هزمت. لينتقل العدناني بعدها إلى الحديث مطوّلاً عن "فصائل الردّة والعمالة" الذين نالوا النصيب الأكبر من الشتائم والوعيد، كاشفاً بذلك عن أعداء التنظيم الحقيقيين ونواياه تجاههم بقوله: "سنفرّق الجماعات ونشقّ صفوف التنظيمات. سنقاتل الحركات والتجمعات والجبهات. سنمزق الكتائب والألوية والجيوش حتى نقضي بإذن الله على الفصائل؛ نعم وسنحرّر المحررّ، لأنه إن لم يحكم بشرع الله فليس ثمَّ محرّر". وفي سياق الحديث عن حرب التنظيم على المناطق المحرّرة يعدّد فلاحة الفروق بين الفصائل والتنظيمات، لكن "فاعلموا أننا لا نميّز بين هذه الأصناف والمقاصد؛ وحكمهم عندنا بعد القدرة واحد: طلقة في الرأس فالقة أو سكينة في العنق حاذقة".
البعث في المخيلة
لا يخجل الدواعش عموماً من التصريح باحتكار "دولتهم" للإسلام، وهذا ما ساقه العدناني ذاته كدليلٍ على كفر مخالفي تنظيمه. ولا يخلو الخطاب العام للتنظيم من الحديث عن انتمائه إلى عصر دولة الإسلام القديمة المتخيلة وفق الطريقة الداعشية، لذلك يحشر الخليفة اسمه بالنسب القرشيّ، وكذلك يفعل من استطاع من نوّابه، ليجسدوا أمام مناصريهم بشكلٍ "واقعيٍّ" هذه العودة إلى الماضي، "فإن كنتم تريدون شرع الله فلا يقام شرع الله إلا في ظلّ الدولة الإسلامية". لكن، بالمقابل، يحتاج هؤلاء أيضاً إلى أمجادٍ تصل بين ذاك الماضي القديم والحاضر، فما عساهم أن يفعلوا؟ يسوق العدناني شاهداً وحيداً يدلل به على "تاريخ" التنظيم في هزيمة أمريكا بقوله: "فقد جرجرناكِ إلى حربين في خراسان والعراق نسيتِ بهما أهوال فيتنام". وبهذا ينسب القتال الذي خاضته طالبان (التي يكفّرها) والكتائب العراقية المختلفة (التي قاتلها) إلى نفسه، مصوّراً ذلك كمنجزاتٍ "للدولة" الفردوسية على طريقة حزب البعث. كما يظهر ذلك أيضاً حينما يكيل فلاحة بنهمٍ المديح والغزل لتنظيمه، أي لنفسه، "فمن يلتحق بصفوف الدولة يجذبه ذلك النور، ويثبته المنهج الراسخ الذي نهجه قادة الدولة وحمله جنودها في الصدور، حتى غدا ذلك المنهج صمّام الأمان". ولا شك أن مفرداتٍ كالمنهج الراسخ وصمام الأمان سبق وأن شاهدها الملايين في سوريا على الجدران لوصف "منجزات الحركة التصحيحية" وحافظ الأسد وابنه.
رثاء الداعشيّ الكبير
بعد طول نفيٍ من مناصري التنظيم على شبكات التواصل؛ أكّد العدناني في كلمته أخيراً خبر مقتل من أسماه أبي معتز القرشي. إذ كان البيت الأبيض قد أعلن في أواخر شهر آب الماضي عن مقتل فاضل الحيالي، وهو الاسم الحقيقيّ للعقيد البعثيّ الصدّاميّ السابق، الذي شغل منصب نائب البغداديّ، قبل أن يكنّي نفسه بالقرشيّ تماهياً مع منصبه الجديد، ويُقتل مع أحد كبار مسؤولي التنظيم الإعلاميين في غارةٍ أمريكيةٍ قرب مدينة الموصل.
يكثر العدناني من الشعر في رثاء قتيله الكبير، وكذا يفعل في مختلف المواضيع والقضايا التي يتناولها، ليدعم آراءً يعرف أنها في عالم خيالات التنظيم لا في الواقع. إذ إن هذا الواقع يجبره ورؤساءه على التسردب خوفاً من مصيرٍ يُلحقهم بمن يرثون، ولن ينفع التخفي ولا طول اللسان ولا الخطابة في تجنّب ذلك طويلاً.