السويداء واكبت انتخابات الإدارة المحلية بالاحتجاجات ضد الواقع المعيشي والخدمي

سكان محافظة السويداء خلال مشاركتهم في الاحتجاجات - اندبندنت عربية أرشيف

تصاعدت حدّة الاحتجاجات في الآونة الأخيرة في بعض بلدات السويداء عند المراكز الخدمية كالاتصالات والمياه والكهرباء، نتيجة تردّي القطاع الخدمي عموماً، وعجز حكومة النظام عن إيجاد حلول لتحسينها، وتخلّيها عن لعب دورها في مواجهة صعوبات الحياة المعيشية التي تزداد باضطراد. تزامنت هذه الاحتجاجات مع إجراء انتخابات مجالس الإدارة المحلية، التي تم إغلاق صناديق عديدة لها من قبل المحتجين.

"ما معنا سلاح وبارودة...معنا حقّ ما بموت". يرفع محتجو بلدة عتيل شمال مدينة السويداء، لافتات تعبر عن رفض الواقع المعيشي والخدمي في المحافظة. وحين تنفض التظاهرة يُجبر الموظفون في المؤسسات الخدمية التي جرى الاحتجاج أمامها على تقديم شكاوى ضد المحتجين وتنظيم ضبوط قضائية بالحادثة، وتغدو أسماء المحتجين تحت الطلب والملاحقات الأمنية.

تشكل هذه الأساليب الأمنية التي يتبعها النظام لوقف احتجاجات السويداء واحدة من الإجراءات الكلاسيكية المعتادة. ويوضح الناشط المدني ربيع عزام لعين المدينة أن احتجاجات السويداء، "تميّزت بالسلمية و بالحراك ذي الشكل الحضاري الذي اتبعه المحتجون على مختلف مشاربهم العقائدية". ف"الكلّ يعاني من الأزمة ومن تدهور القطاع الخدمي وفشل مؤسساته وعجز الدولة عن تلبية متطلبات العمل المنوط بها. ولم يجرِ أي اعتداء أو تخريب لبناها التحتيّة" بحسب عزام.

بدأت الاحتجاجات في بلدة الغارية جنوب محافظة السويداء، حيث تجمّع عدد كبير من شباب البلدة ورجالها أمام مركز الاتصالات والخدمات الهاتفية، وأجبروا موظّفي المركز على مغادرته وعدم العودة للعمل قبل إصلاح الاتصالات الأرضية أولاً، إضافة إلى شبكات الخليوي التي تنقطع مع انقطاع التيار الكهربائي.

راتب نادر من أهالي الغارية أكد لعين المدينة أن المحتجين انتقلوا بعد مركز الهاتف إلى بئر الري الذي تحوّل منذ سنتين ليصبح المصدر الوحيد للشرب، ومنعوا صهاريج المياه المأجورة من توزيع المياه بشكل خاص. مضيفاً أن مسؤولي النظام "لم يقدّموا إلا الوعود بتحسين الخدمات، وقد سُجل تحسن نسبي في خدمة الاتصالات، لكنه غير كافي" على حد قوله.

الاحتجاجات امتدت من الغارية إلى بلدات عتيل، الهويا، ولغا، مفعلة، وقنوات، ودوما، واتخذ الأهالي نفس أساليب الاحتجاج السلمية، من إغلاق المراكز الهاتفية ومحطّات المياه المعطّلة التي تحتاج للإصلاح والصيانة، مع المطالبات المتكرّرة لحكومة النظام بضبط أسعار السلع الغذائية، وإيجاد الحلول لتأمين الوقود قبل حلول فصل الشتاء، وتأمين الوقود اللازم لوسائط النقل والتخفيف عن معاناة المواطنين وتبعات هذه الأزمة الخانقة.

تجاوب "الجهات الحكومية" كان متفاوتاً مع المطالب. في بلدة عتيل قال أحد المحتجين لعين المدينة، أن مؤسسة المياه أرسلت بعد يومين من اعتصامهم ورشة لإصلاح الآبار المعطلة، بينما في بلدة ولغا لم تتجاوب شركة الاتصالات مع مطالب الأهالي، بل ورفعت دعوى قضائية ضد بعض المحتجين الذين أغلقوا مقسم الهاتف، وفق ما أكد أحد أهالي البلدة.

الصدى الأكبر للاحتجاجات كان في بلدة حزم الواقعة على طريق العاصمة، الذي يعد الشريان الاقتصادي الوحيد للسويداء، حيث قام شباب البلدة بقطع طريق دمشق - السويداء ليومين متتاليين، وطالبوا بتحسين الأوضاع  الخدمية والمعاشية بعد أن "استُنفِذت طاقة الصبر والاحتمال" وفق بعضهم.

أحد المحتجين من أهالي حزم (فضل عدم ذكر اسمه) نقل لعين المدينة أن النظام أرسل وفداً لمحاورة المحتجين، وطلب من ممثلين عنهم مقابلة مقابلة الفيلق الأول، الذي يتولى منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية لمحافظات الجنوب السوري. وبالفعل توجه أربعة أشخاص انتدبهم المحتجون كممثلين عنهم إلى قيادة الفيلق الأول، والتقوا مع قائده الذي تحدث عن "الحصار والعقوبات وصعوبة تأمين الخدمات" وقدّم في نفس الوقت وعوداً بتلبية مطالب الأهالي "بالقدر الممكن"، وقد عاد أهالي حزم وفتحوا طريق دمشق السويداء، مهددين بإعادة إغلاقه في حال لم يتم التجاوب مع مطالبهم.

بلدة الجنينة شهدت احتجاجات تزامنت مع انتخابات الإدارة المحلية، حيث قام شباب البلدة المحتجون بإغلاق مركزين إنتخابيين والمركز المعيّن في "الفرقة الحزبية" التابعة لحزب البعث، بعد أن مضى أسبوع على شكواهم المقدمة لشعبة حزب البعث في شهبا ضد مسؤولي الحزب أنفسهم والإدارة المحليّة. قام المحتجون بكسر صناديق الاقتراع  ورمي أوراقها المشكوك بالتلاعب بها وتزويرها من قبل أعضاء الحزب المشرفين على سير "العملية الانتخابية الهزلية" وفق وصفهم، والتي يرعاها الحزب والجهات الأمنية، إضافة إلى مطالبتهم بتحسين الوضع الخدمي للبلدة من مياه وكهرباء وخدمات اتصال.

ريان معروف مسؤول تحرير موقع "السويداء 24" لفت في حديث لعين المدينة إلى أن "الأزمات المتراكمة والأوضاع المعيشية القاسية أخذت بالتدهور بشكل حاد منذ شهر شباط الماضي بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا".

وأشار معروف إلى أن حكومة النظام السوري اتخذت سلسلة إجراءات تقنينية حينها أدت إلى نقص في المحروقات والكهرباء، وانعكست بشكل سلبي على مختلف الخدمات (مياه، اتصالات، وسائط نقل). وتابع "حكومة النظام السوري باتت في حالة من العجز، والخدمات المنوط بها تقديمها تتلاشى تدريجياً، وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات خلال الفترة القادمة في محافظة السويداء".