السوريون في مصر

السوريون في مصر
ثـــــوارٌ .... وحــــلويـــــات ....

ثائر الزعزوع - القاهرة | عين المدينة | خاص

يعاني أبو أحمد مما يطلق عليه علماء النفس مرض الحنين أو homesick  فهو ورغم مرور سنة على مغادرته سوريا، ومدينته عربين في ريف دمشق، لم يستطع التأقلم مع الواقع الجديد المفروض عليه، ويحلم كل يوم، بل هو لا يحلم إنه يعد نفسه للعودة، ولم يفتح سوى حقيبة واحدة من الحقائب الثلاث التي أحضرها معه، ويقول لا أريد أن أفتحها كي لا تتعبني في إعادة الثياب إليها حين أعود.
لكن حال أبي أحمد يختلف عن حال الكثير من السوريين الذين جاؤوا إلى هنا، والذين تقدر الإحصائيات عددهم بنصف مليون لاجئ فيما تسجل الأمم المتحدة في قيودها قرابة 150 ألفاً يقطن معظمهم في القاهرة وضواحيها، فيما تتوزع قلة قليلة منهم على مدن أخرى مثل الإسكندرية، والمنصورة، ودمـــياط.

ويمكن ملاحظة مستويين من اللاجئين السوريين في مصر، المستوى الأول هو ذاك الذي فرّ بجلده من الموت بعد أن فقد أية إمكانية للبقاء في سوريا، بعد أن تهدم بيته وباتت حياته في خطر، ويشكل هؤلاء الشريحة الأكبر من اللاجئين، أما المستوى الثاني فهو طبقة من رجال الأعمال والتجار والصناعيين الذين أفقدتهم الأزمة أرباحهم، ورفاهيتهم فنقلوا سكنهم وأعمالهم إلى مصر، ويقطنون في الأحياء الراقية مثل الرحاب ومدينة نصر “ومدينتي” و الزمالك والمهندسين، وقد جلب الكثيرون منهم «خادماتهم معهم» وسياراتهم الفارهة. وليس مستغرباً القول إن الكثير من سكان هذه المناطق هم من موالي النظام، وأعداء الثورة، وهم لا يخفون هذا بل ويعلنونه.
أما الغالبية العظمى فقد ارتضوا أن يبدؤوا أعمالاً صغيرة، تغنيهم عن طرق أبواب الجمعيات الخيرية، علماً أن الأوضاع الاقتصادية في مصر ليست مؤهلة أصلاً لاستقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين.
تقع مدينة ستة أكتوبر على بعد حوالي أربعين كيلومترا من القاهرة، ويقيم فيها أكثر من خمسين ألف لاجئ سوري، توزعوا على أحيائها الاثني عشر، وقد بدأت المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة تقريباً تأخذ في بعض مناطقها طابعاً سورياً متميزاً، فانتشرت المحال التجارية السورية والمطاعم، وبائعو الخبز السوري، ومحلات الأجبان والألبان، والحلاقون، والأطباء، و المدرسة السورية أيضاً.
في منطقة الأردنية وهي إحدى التجمعات التجارية في ستة أكتوبر، يستطيع المرء بسهولة أن يقرأ المسميات السورية على المحال، فهنا محل لبيع الفلافل اختار له صاحبه اسم «باب الحارة» وهناك « ست الشام» وفي الجانب الآخر «ميدان الشام» وفي الجهة المقابلة «فرن الخبز الشامي» الذي يقول صاحبه إنه لم يفكر في يوم من الأيام أن يعمل بائعاً للخبز، فقد كان يملك معملاً لصناعة وتوزيع البلاط والسيراميك، ولكن القصف المتواصل لقوات النظام على منطقة دير بعلبة في حمص  دمر المعمل والبيت، ولم يترك للرجل شيئاً ففر هو وعائلته قاصداً مصر، وقد افتتح الفرن بمساعدة شقيقه الذي يعمل في الكويت، بعد أن لاحظ أن السوريين وهو منهم لم يستطيعوا التعود على أكل الخبز المصري الأسمر.
المنطقة التجارية الأخرى في أكتوبر هي منطقة الحصري، وهنا تنتشر المحلات والمطاعم السورية بشكل أكبر فيمكنك أن تلاحظ مطعم «أهل الراية» ومقهى «باب الحارة» أيضاً، ونكهة البن السوري، وحلاق حمص العدية، والجميع هنا يضع علم الثورة منتظراً بفارغ الصبر سقوط النظام.
Salloura

أحد أصحاب محلات الشاورما نجار موبيليا، من مدينة حمورية, خسر كل شيء هو الآخر، واستشهد ابنه أثناء اقتحام قوات النظام للمدينة، وقد افتتح المحل بمشاركة أحد الأخوة المصريين.
هناك مقهى صار السوريون يسمونه مقهى «الدوامنة» نسبة إلى مدينة «دوما» في المقهى تسمع أحاديث الثورة، حكايات الناس عن بيوتهم التي فقدوها، عن أحبائهم الذين استشهدوا، عن حنينهم الدائم للوطن، بعضهم يقول متحسراً لا أظن بأننا سنعود مرة ثانية، وإذا عدنا ماذا سنجد؟.
حين يعود أبو وليد إلى بيته مساء يكون منهكاً، لم يكن يعمل هكذا حين كان في حمص، إنه الآن مختلف تماماً عما كان عليه، هكذا يقول، ويضيف وهو يخفي دموع عينه: خسرنا كل شيء.
كان أبو وليد يملك محلاً كبيراً لصناعة الحلويات السورية المميزة
كان يركب سيارة حديثة، هو الآن يمضي عشرين ساعة وراء آلة لصهر البلاستيك، عائلته الكبيرة ترهقه، ولم يجد بداً من القبول بهذا العمل كيلا يضطر للوقوف على أبواب الجمعيات الخيرية، يقول بشيء من التفاخر: نحن كنا نعطي الناس يا أخي.
زبائن المحلات السورية سوريون، وقلّما تجد مصرياً يقصد مطعماً سورياً، لقد أنشأوا عالمهم الخاص، لكن القلق يسيطر عليهم، وربما ما زال كل واحد منهم محتفظاً بحقيبة لم يفرغ محتواها بعد على أمل العودة قريباً.