- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
السوريون في الأردن.. ولماذا لم يطلهم الخطاب المعادي للاجئين
في ظل التجاذبات السياسية والحملات الإعلامية التي تستهدف اللاجئين السوريين في كل من تركيا ولبنان، تكاد تغيب أحوال أقرانهم في الأردن عن الساحة الإعلامية، رغم أنهما يشتركان في الواقع ذاته تقريباً، من وجود عدد كبير من اللاجئين، وأزمات اقتصادية ومعيشية متفاقمة، وانحسار كبير للدعم "المادي" الدولي في هذا المجال.
الملاحظة الرئيسة في حال السوريين داخل الأردن، حالة شبه غياب للخطاب المعادي للاجئين شعبياً وإعلامياً وسياسياً، مقارنة بتصاعد هذا الخطاب في دول أخرى تشاركها ذات الحال.
وأظهرت دراسة حديثة نشرتها المفوضية أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومركز نماء للاستشارات الاستراتيجية، أن 92% من الأردنيين يقولون إنهم متعاطفون مع اللاجئين.
الدراسة التي نُشرت بداية العام الجاري، بُنيت على أساس استطلاع للرأي جرى ما بين كانون الأول 2020 وحزيران 2021، وعلق على نتائجها ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن دومينيك بارتش بالقول: "لا يزال الأردنيون ثابتين في التزامهم بمساعدة اللاجئين".
واقع السوريين في الأردن مقارنة بحال اللاجئين في دول أخرى مجاورة، يثير تساؤلات حول "ثبات" الأردنيين في هذا المجال، دون غيرهم من الشعوب وحكومات الدول الأخرى المجاورة، التي تشاركها ذات الواقع فيما يتعلق باللجوء السوري.
البدايات
بدأت قضية اللجوء السوري عام 2011، وسكن اللاجئون حينها في مساكن خاصة (سكن البشابشة) في مدينة الرمثا، وبحلول نهاية 2011 كان هناك 1842 لاجئاً سورياً مسجلاً لدى المفوضية بشكل رسمي، لكن عدد من وصل الأردن كان أكثر بكثير.
لاقى قدوم اللاجئين ترحيباً من المجتمع الأردني، الذي رحب بمعظم العائلات اللاجئة، وأشارت تقارير في 2011 إلى "وجود نحو 337 عائلة سورية تعيش مع أسر مضيفة أردنية في كل المفرق والرمثا"، وفق المفوضية.
مع استمرار موجة اللجوء السوري افتُتح مخيم الزعتري للاجئين السوريين في محافظة المفرق تموز 2012. وقبل الافتتاح اعتُمدت 4 مراكز عبور مكتظة بالقرب من الحدود، لإيواء معظم الوافدين الجدد.
لم يكن الزعتري هو المخيم الوحيد، فكان هناك مخيم الحديقة في الرمثا الذي افتتح تموز 2012، ومخيم مريجيب الفهود (المخيم الإماراتي الأردني) في محافظة الزرقاء في نيسان 2013، ومخيم الأزرق في محافظة الزرقاء في نيسان 2014.
الحال الاقتصادي والعمل
تشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى 675854 سورياً مسجلاً لديها، لكن الحكومة تتحدث عن وجود 1.3 مليون سوري.
تقول هانا باتشيت، مديرة السياسة والإعلام في منظّمة أوكسفام في الأردن "يقبل اللّاجئون السوريّون في الأردن على شفا أزمة إنسانيّة بدأت تتفاقم، حيث أدّت الصدمات العالميّة إلى إضعاف قدرة اللاجئين على الاستجابة للتحديات، حيث استُنفِدت مدّخراتهم بعد فترة طويلة من المنفى عن وطنهم، حيث تبلغ نسبة أسر السوريين المديونين 93 بالمئة".
وتنقل صحيفة "الغد" الأردنية عن تقارير أممية، أن مخيم الزعتري الذي يضم نحو 82 ألف لاجئ، قلّل حوالي ثُلث الّلاجئين فيه من عدد الوجبات التي يتناولونها، ولجأ أكثر من الثلثين إلى الدين لشراء الطعام.
كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، حيث ازدادت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 22٪ في المحلّات التجارية في الزعتري خلال أول 4 أشهر من العام 2022.
"قوننة" عمل اللاجئين
لكن التجربة الأردنية فيما يتعلق بإدراج اللاجئين في سوق العمل، تميزت بأنها حرصت على "قوننته" عبر إصدار تصاريح عمل منذ وقت مبكر، ودمجهم بطريقة تحفظ حقوقهم بتعاون أممي.
ومنذ عام 2016 يُسمح للاجئين السوريين بالعمل في عدة قطاعات من الاقتصاد الأردني، وذلك بعد أن تعهد المجتمع الدولي بتوفير التمويل وتسهيل التجارة بشكل أوسع بموجب "اتفاق الأردن"، وهي مبادرة لتحسين سبل الوصول إلى التعليم والعمل بشكل قانوني للسوريين.
وحسب الأمم المتحدة، فقد تم في عام 2021 إصدار 62 ألف تصريح عمل للسوريين، وذلك وفقاً للأرقام التي نشرتها الحكومة والمفوضية، وهو أعلى رقم سنوي منذ استحداث تصاريح العمل للاجئين السوريين.
وتشمل تصاريح العمل 31 ألف تصريحاً مرناً -وهو رقم قياسي أيضاً- والذي يسمح للاجئين بالتنقل بين الوظائف المماثلة في نفس القطاع، وكذلك بين أصحاب العمل والمحافظات.
توسع مجالات العمل
في السابق، كان يُسمح للاجئين السوريين في الأردن بالعمل فقط في مجالات الزراعة والبناء والتصنيع، ولكن ابتداء من عام تموز 2022، تم منح البعض استثناءات للعمل في قطاعات أخرى بما في ذلك الرعاية الصحية.
منح الاستثناء كان هدفه المساعدة في مكافحة جائحة كورونا، ليتمكنوا بعد هذا التاريخ من الحصول تصاريح عمل في جميع القطاعات المفتوحة لغير الأردنيين، ما يعني أنه يمكنهم الآن العمل في الخدمات والمبيعات والحرف وفي قطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك وفي المصانع وتشغيل الآلات وفي الصناعات الأساسية.
بالمقابل وحسب الأمم المتحدة، فإنه مع بلوغ معدل البطالة 23 % في الأردن، ما يزال العديد من اللاجئين الذين يحملون تصاريح عمل يكافحون من أجل العثور على فرص عمل لإعالة أسرهم، حيث لا يُسمح قانونياً بالعمل في الأردن سوى للاجئين السوريين، إذ لا يستطيع القادمون من دول أخرى بما في ذلك العراق واليمن والسودان والصومال التقدم للحصول على تصاريح عمل. وتنادي المفوضية في الأردن لمنح اللاجئين غير السوريين فرصة العمل في البلاد.
"الترحيل"
الترحيل لم يكن غائباً عن حال السوريين في الأردن، لكنه بقي ضمن نطاق "الاستثناء"، وليس الممنهج أو الواسع النطاق، ولا يمكن مقارنته بما هو جاري الآن أو ما يُعد له في تركيا ولبنان.
وفي هذا الإطار، وخلال شهري آذار 2021 ونيسان من العام ذاته، رحّلت السلطات الأردنية 16 عائلة سورية لاجئة على أراضيها إلى مخيم الركبان الحدودي.
وبدأت عمان بهذه الإجراءات بعد اتفاق "التسوية" الذي شهده الجنوب السوري، في أواخر عام 2018، وكانت عمليات "القذف" كما يسميها الأردن، تتم بداية في المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة سابقاً في الجنوب السوري.
يحتضن الأردن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين بعد لبنان، حيث أن واحداً من بين 3 من سكان الأردن هو لاجئ، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويعيش فيه أكثر من 3.788 ملايين لاجئ يحملون أكثر من 53 جنسية غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين.
ويؤكد المدير العام لدائرة الشؤون الفلسطينية، رفيق خرفان، أن سجلات وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تضم 2.4 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن، يعيش 18% منهم في مخيمات اللجوء.
وربما يكون أحد أسباب عدم تعرض السوري في الأردن للعنصرية أسوة بحال أقرانهم في لبنان وتركيا، أن مجتمعها معتاد على احتواء اللاجئين عبر تاريخه مع وجود توجه حكومي بهذا الشأن، وبدأت مع اللاجئين الفلسطينيين وامتدت إلى العراقيين واللبنانيين واليمنيين، وصولاً إلى السوريين.