الركبان... دولة الانتظار، والتقهقر كذلك

يعيش غالبية السوريين في الانتظار، ومنهم سكان منطقة الركبان بين الحدود السورية والأردنية. لكن هؤلاء توقفوا عن الانتظار وذهبوا في رحلةٍ إلى الخلف في مخيّمٍ بعيدٍ عن الإعلام حتى الآن، رغم أنه مهدّدٌ بالتحوّل إلى ما يشبه صحراء سيناء التي تعيش خارج الدول.

إطلالةٌ على المخيّم
منذ الهجوم الذي وقع على حرس الحدود الأردنيّ في 21 حزيران 2016 والمنطقة الشمالية الشرقية من الحدود الأردنية، حيث يقع المخيم، منطقةٌ عسكريةٌ بأمرٍ من قيادة الأركان. وقد سمح لبعض المنظمات الدولية، كاليونيسيف والصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي، بالعودة إلى العمل بعد إيقافه مدّة. لكن الجيش الأردنيّ ما زال يمنع استقبال اللاجئين في المنطقة، ويتعاون لضبط أمور المخيم والمنطقة المحيطة مع «جيش أسود الشرقية» و«قوات الشهيد أحمد العبدو» و«جيش العشائر» وغيرها من الفصائل السورية المقرّبة من الأردن.

على أن الركبان، الذي يبعد 20 كم عن الحدود العراقية الأردنية السورية، لم يكن مقرّراً له أن يكون مخيماً، بل مركز استقبالٍ بدأت أعداد القادمين إليه تزداد منذ سنةٍ ونصفٍ تقريباً، بالتزامن مع تقليص الحكومية الأردنية أعداد الداخلين إلى أراضيها واشتراطها لذلك وجود كفيلٍ أردنيّ. إلى أن حدّدت، منذ أشهرٍ، العدد المسموح به من اللاجئين بما لا يزيد عن مئةٍ بكثيرٍ يومياً، ليصل عدد المنتظرين في المخيّم إلى 70 ألفاً بحسب منظمات، ويتجاوز 80 ألفاً بحسب ناشطين.

تنظيم الدولة والمخيّم
منذ أشهرٍ بدأت الحكومة الأردنية بالتحفظ في وجه المنتظرين على الحدود للدخول إلى أراضيها بدعوى وجود عناصر تابعين للتنظيم بينهم، قادمين من الأراضي التي يسيطر عليها كالرقة ودير الزور. وبحسب الناشط سعيد سيف، القريب من الركبان، فإن عناصر من التنظيم «تتخذ المخيم كاستراحة، إذ تدخل إليه بسيارات البيك آب الخاصّة بالمضادات بعد نزع السلاح عنها». وتسهم عدّة أمورٍ في «دعشنة المخيم بنظر العالم»، كسيطرة المكوّن العشائريّ عليه متمثلاً بعشيرة العمّور المتهمة من الكثيرين بموالاة التنظيم، وقد اتجهت إلى المخيّم من تدمر بعد سيطرة النظام على هذه المدينة في آذار 2016. كما أن تجمّعاً بهذا الحجم، وفي هذه الظروف، قد يستعمله تجار الحروب لتسهيل أعمالٍ غير قانونية، كتجارة المخدرات والسلاح والآثار، وهو ما يؤكد وجوده في المخيم أكثر من شخصٍ غادره منذ مدّةٍ قريبة. كما أن وقوع التجمع خارج الحدود بين الأردن وسوريا يسمح لشعور التهميش والضياع والمظلومية بالتسلل إلى وجدان الكثيرين وتفكيرهم، ومن هذه المشاعر يحاول التنظيم أن ينشط. على أن المخيم ظلّ لمدّةٍ طويلةٍ قبلةً للهاربين من العيش في ظلّ التنظيم في دير الزور والرقة وغيرهما.

النكوص إلى حالة البداوة
قبل أن يصل التجمّع إلى هذا الحجم كانت تديره لجنةٌ مدنيةٌ قضائيةٌ تشكلت توافقياً تعمل مع كتائب الجيش الحرّ لتسيير الحياة هناك، كتنظيم توزيع المساعدات وفضّ النزاعات. لكن تدفق جماعاتٍ عشائريةٍ من تدمر خاصّةً، ومن السخنة والصوانة والمداد في حمص وحماة والرقة ودير الزور وحلب، جعلت التوافق مستحيلاً، مع امتلاك بعض هذه الجماعات أسلحةً نارية، ودخولها في صراعاتٍ ضمنيةٍ ومعلنة، انتهى أحدها منذ شهرين تقريباً على نحوٍ مؤسف. ففي محاولةٍ من فئةٍ تنتمي إلى بني خالد لفرض النفوذ حدثت بلبلةٌ هجموا فيها على حرس الحدود الأردنيّ، واشتبكوا بالسلاح الخفيف والمتوسط مع «أسود الشرقية»، لتسقط قتيلةٌ وثلاثة جرحى ويتمّ ترحيلهم من التجمّع.

يقدّر سيف بأن 20% فقط من خيم التجمع من تقديم المنظمات والهيئات الإنسانية، أما الباقي فهي بيوت شعرٍ أو خيم صيدٍ أو خيمٌ بناها الأهالي مما توافر من المواد. ويعمل الكثير من القاطنين في تربية الأغنام أو رعيها، إذ يستفيدون من أنهم في المنطقة المحرّمة، وهي «أرض خير» بحسب ما هو معروف في المنطقة التي صار فيها سوق غنم (ماكف) يستقبل يومياً 1500 رأسٍ يباع منها 500 للسويداء وريف دمشق وغيرها، ويقصدها التجار لبيع أغنامهم من دير الزور والرقة. إذ يتساهل التنظيم مع المتوجهين إلى الركبان، رغم أنه يرسل كمائن ودورياتٍ تنتظر سياراتهم عند السبايات (آبار سقاية الغنم في البادية). كما يعمل أهالي المخيم بالصيد والتقاط الكمأ والتجارة به.

يعتمد التجمع لتأمين المياه على صهاريج جماعاتٍ عشائريةٍ في المنطقة، كعشيرة الغياث، تلجأ إلى المصانع (أماكن معدّة لتجميع مياه السيول) لتأمين المياه وتصفيتها للشرب باستعمال (الشبّة)، بمساعدة الفصائل ودعم اليونيسيف. ويوفر قاطنو المخيم احتياجاتهم من تجارٍ قادمين من السويداء. ويعتمدون، في أحيانٍ كثيرة، على صناعة الخبز بأنفسهم. ويضيف سيف أن المخيم يحوي بقالياتٍ بسيطةٍ وصالونات حلاقةٍ و30 صالة نت.