خاص عين المدينة
جاء سقوط حافظ الأسد، ممثلاً بتمثاله الكبير الذي يتوسط ساحة المحافظة في مدينة الرقة يوم 4/3/2013، ليكون واحداً من أهم مشاهد إسقاط أصنام الأسد في ساحات المدن السورية وأكثرها رمزية وقوة. فقبل عام وأربعة أشهر أطل بشار الأسد من منصة مبنى المحافظة المطل على تلك الساحة، وألقى خطاباً على جماهير الرقة التي أجبرتها أفرع المخابرات على التجمع والتصفيق للمجرم الذي أرسل قواته لتسحق الثوار في المحافظات السورية الأخرى، في مسرحية بثت على الهواء مباشرة كدليل على شعبية بشار الأسد، في محافظة الرقة التي تأخرت في التحاقها بالثورة لكنها فاجأت الجميع، حين طردت قوات الاسد من المدينة وتكون بذلك أول المدن السورية التي تحررت بشكل كامل.
كثيرون قارنوا بين سقوط تمثال صدام حسين وسقوط صنم حافظ الأسد
ولاحظوا الفرق بين الحادثتين، فسيارة الإطفاء التي جرت الحبل المربوط برقبة حافظ الأسد لا تشبه الدبابة الأمريكية، كما يقول أحمد وهو محام كان حاضراً يوم أسقط الصنم، وحبس دموعه في تلك الساعة فرحاً بلحظة الحرية تلك التي عاشها مع أكثر من خمسة آلاف شخص هتفوا جميعاً للحرية وكبّروا وعلى قلب واحد لكرنفال استقلال الرقة كما يقول، ومازال عاتباً على من خشي من ردة فعل النظام والتي كانت وحشية جداً كما توقع أولئك الحذرون.
ويتباهى فايز بائع الخضار المتجول أنه شارك بكل فعاليات يوم الحرية ذاك في الهتاف والتكبير وركل رأس حافظ الأسد وإهانته بكل وسيلة ممكنة، ويعرض من جواله الشخصي صوراً له وهو يجلس مدخناً سيجارته على رأس حافظ الأسد... ذلك الرأس الذي يحلف به عبيده من جنود وعناصر مخابرات وضباط أمن وغيرهم كثير من المنافقين بحسب تصنيف فايز، الذي سجن لمرات عدة في أفرع المخابرات وعذب فيها، وسمع جلاديه يحلفون فيما بينهم بحق رأس الأسد، واضطر كما يقول مراراً للقسم برأسه أملاً بالتخفيف عليه في جلسات التعذيب الطويلة، وها هو الآن يفتح جواله مرة أخرى ليعرض صورة لقدمه فوق رأس الأسد.
شكل يوم الاثنين العظيم ذاك تاريخاً جديداً للرقة، وأدخلها في نمط حياة جديد، فأولاً وقبل كل شيء أصبحت بيوت السكان وممتلكاتهم هدفا لآلة الحرب الأسدية من مدفعية وطيران وصواريخ، وكل ما أمكن لجيش الأسد إلحاقه من موت وخراب بالرقة، ليسقط خلال شهر ونصف بعد يوم التحرير أكثر من 161 شهيداً، وهو أكثر من ربع عدد شهداء الرقة بحسب إحصائيات مركز توثيق الانتهاكات السوري، مما يدل على فاتورة الدماء المرتفعة التي بدأت الرقة بدفعها ثمناً لحريتها. كذلك أجبرت وحشية الجيش الأسدي عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح من الرقة، ذهب بعضهم إلى الريف الشمالي المحرر الآمن نسبياً، وذهب بعض آخر إلى ريف دير الزور المحرر، وقصد آخرون ـ وهم كثر ـ مخيمات النازحين في الأراضي التركية ودون أن يتمكنوا من دخولها، مما أجبرهم على استئجار بيوت بأسعار مرتفعة نسبياً، وبالتالي إنفاق مدخراتهم القليلة أو العودة إلى بيوتهم في الرقة.
وهذا ما فعلته أم علي الموظفة السابقة التي أجبرها خوفها على أطفالها إلى ترك منزلها والنزوح الى تركيا، أملاً بالإقامة في مخيم لكنها لم تتمكن من الدخول إلى المخيم، فاضطرت إلى العودة إلى بيتها رغم انقطاع نتيجة لسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها حكومة الأسد على كل منطقة ثائرة، وتؤكد أم علي أنها لن تغادر بيتها مرة أخرى وستصمد فيه، وستدفع مثل غيرها من الأمهات السوريات ثمن الحرية.