سيزار حسّو | اسطنبول
في الثلاثين من الشهر الماضي أقام مئات الشبان الأتراك اعتصاماً في حديقة ساحة تقسيم في إستنبول، احتجاجاً على قطع أشجار الحديقة لصالح بناء مجمع ثقافي وتجاري. ثم، ما لبثت الشرطة أن اقتحمت مكان الاعتصام، وطردت المعتصمين، لينتشر الخبر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويؤدي إلى نزول أعدادٍ أخرى من المحتجين إلى الشوارع، في إستنبول ومدن تركية أخرى، احتجاجاً على سلوك الشرطة التركية مع المعتصمين الذين تعرضوا للقمع بالغاز المسيل للدموع ورشقات المياه. وطالبوا بإيقاف المشروع وكتبوا على الجدارن (الشرطة قاتلة).
بهذه البساطة، كان هذا ما حدث في ميدان تقسيم. لكن، وفي الوقت نفسه، وبمزيجٍ من الخَبَل والوقاحة، فاجأ ما يسمى بعمران الزعبي، وزير إعلام النظام السوري، الجميع بتصريح علّق به على المظاهرات التركية حينما قال: «إن أردوغان يقود بلاده بأسلوب إرهابي، ويدمّر مدنيّة الشعب التركي وإنجازاته. وعلى أردوغان، إذا كان عاجزاً عن اتّباع وسائل غير عنفية، التنحي»! وفي الوقت ذاته جاء في بيان لوزارة الخارجية السورية، نشرته وسائل إعلام النظام: «نصح مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الخارجية والمغتربين المواطنين السوريين بعدم السفر إلى تركيا خلال هذه الفترة حفاظاً على سلامتهم وأمنهم، وذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية في بعض المدن التركية خلال الأيام القليلة الماضية، والعنف الذي مارسته حكومة (رجب طيب) أردوغان بحق المتظاهرين السلميين من أبناء الشعب التركي» .
وفي نفس سياق السعار الأسدي، لم يتوانَ أبواق النظام عن الظهورعلى وسائل الإعلام والحديث عن ما أسموه "الثورة" التركية والخلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعاني منه تركيا، كما جاء على لسان المدعو شريف شحادة، متيحاً المجال للحديث مجدداً عن الخلل العقلي الذي يعاني منه المذكور ومعلِّموه. لكن، بموازاة ذلك، ما الهدف الذي يسعى إليه النظام من خلال التركيز على ما يحدث في تركيا؟
هنالك ثلاثة أسباب لذلك؛ الأول هو رفع معنويات جمهوره من الشبيحة من خلال إظهار أن الخراب الذي يلحق بسوريا سيعمم على كل المنطقة، كما صرح بشار سابقاً. والسبب الثاني هو محاولة تأليب الرأي العام العلوي في تركيا على أردوغان وإشراك العلويين في الاحتجاجات، لإظهار أن هناك مشاكل طائفية في تركيا أيضاً، للتغطية على ارتكابات عصابات الأسد والميليشيات المتحالفة معها في الداخل السوري. أما السبب الثالث والأهم فهو الكذب لأجل الكذب، وهذا ما اعتدناه من النظام وأبواقه منذ زمن. فالكذب والتدليس هو الوسيلة الوحيدة التي يستخدمها صغار موظفي النظام للحصول على رضا أجهزة المخابرات المجرمة ورئيسها، وهو ما يستخدمه وزراء بشار أيضاً. فهم لم يدركوا بعد أن زمن البعث قد زال إلى غير رجعة، ولذا فهم يستمرّون بالكذب ليعوّضوا عجزهم عن العمل في دولة الأسد المتآكلة. فما هي وظيفة شريف شحادة وعمران الزعبي غير ذلك؟ لم يفت الوزير ـ والصديق الحميم للشاب أحمد سبايدر ـ أن يشير إلى الغاز المسيل للدموع الذي تستخدمه حكومة أردوغان تجاه "الشعب التركي"، لكن فاته بالطبع الحديث عن غاز السارين الذي يستخدمه رئيسه، ويصفق له هو وزملاؤه، كأبلهٍ لا يعرف نهايته...هكذا، إذاً، يستمر هؤلاء بالظهور على الشاشات، وتستمر طاحونة التفاهة الأسدية إلى حين اجتثاثها.