- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
التعليم في القامشليأهالي المدينة والوافدون بين طرفي صراعٍ صامت
شهدت مناطق الإدارة الذاتية في ما يسمّى مقاطعة الجزيرة، مع بداية العام الدراسيّ 2015-2016، تغيراً كبيراً في عملية التعليم، برزت نتائجه في مدينة القامشلي دون مدينة الحسكة التي للنظام فيها قوته العسكرية. فقد سيطرت الإدارة الذاتية على أغلب مدارس التعليم الأساسيّ في القامشلي، وفرضت عليها المناهج الخاصة بها، وقامت «لجنة إدارة المدارس» (KRD) التابعة للإدارة بفتح الباب لاستقبال المعلمين ضمن مدارسها. بينما لم تكن أمام العوائل النازحة إلى مناطق الإدارة خياراتٌ واسعة، وغالباً ما اضطرّت إلى إرسال أطفالها إلى تلك المدارس، رغم أن أحداً لم يعترف بها بشكلٍ رسميّ.
مع السنة الدراسية الجديدة
بعد اجتماعٍ جرى مؤخراً في مدينة الحسكة، ضم وفداً من الإدارة الذاتية، برئاسة يسرى درويش، المسؤولة في هيئة التربية والتعليم الكردية، مع وفد مديرية التربية التابعة للنظام، خرج إلى العلن قرارٌ بتدريس اللغة الكردية لثلاث حصصٍ للصف التاسع، وخمسٍ للصفين السابع والثامن، على أن تقتطع هذه الحصص من مواد اللغة العربية والمعلوماتية والاجتماعيات والعلوم. أما المرحلة الابتدائية فما زالت الإدارة مصرّةً على التدريس فيها بالكردية، بينما يصرّ النظام على المناصفة. وفي السياق ذاته أُبرم عقد تعاونٍ بين «هيئة تعليم مقاطعة الجزيرة» مع «هيئة تعليم كوباني»، ويشمل التنسيق تقديم الخبرات ونقل التجربة في الجزيرة إلى تل أبيض وعين العرب (كوباني).
ومع كل ذلك لم يجد أبناء المدينة ولا الوافدون إليها أي حلولٍ جذريةٍ للواقع التعليميّ المفروض من قبل الإدارة الذاتية، وبحسب بعض أولياء الأمور: «ما الفائدة من إضاعة وقت أبنائنا في سنوات التعلم في مدارس الإدارة، ولم ولن يتمّ قبولهم في الجامعات السورية؟».
وتتبع مدارس الإدارة الذاتية في القامشلي لوزارة التعليم الخاصة بها في عامودا وهيئة التربية والتعليم في مقاطعة الجزيرة، التي تدير لجاناً وإداراتٍ لتسيير عملية التعليم:
- لجنة إدارة المدارس KRD: تتكون من 9-15 عضواً مع مراعاة الجنسين. تتخذ القرارات المتعلقة بالتعليم في المدارس وتحضير المشاريع بعد موافقة هيئة التربية والتعليم. وهي المسؤولة عن تجهيز بطاقات المدرسين واجتماعات كافة أعضاء مديريات المدن.
- لجنة إدارة المدارس KRD-H: تتكون من 7-9 أعضاء. تناقش وتحلل مشاكل المدارس والطلاب وأوضاع العملية التربوية.
- إدارة المدرسة: عدد أعضائها 5-7. تنتخب من قبل معلمي المدرسة بعد موافقة لجنة إدارة المدارس الفرعية في المنطقة. مهمتها تسجيل الطلاب وعقد اجتماعاتٍ لذويهم لإطلاعهم على أوضاع أبنائهم المدرسية.
المعلمون
لم يتغير حال المعلمين مع بداية العام الدراسيّ الحاليّ في أيلول 2016، حتى بعد إخضاعهم لدورةٍ تعليمية، منذ منتصف الشهر السابع، مدتها شهران. وقسموا إلى عربٍ وأكراد، بحسب رغبة المعلم في تدريس المنهاج باللغة التي يختارها، على أن جميع تلك المناهج خاصةٌ بالإدارة الذاتية. وقد شملت الدورة قسمين، الأول لمعلمي العام المنصرم، والثاني للمعلمين الجدد. وقد خيّرت لجنة إدارة المدارس المعلمين الذين ما زالوا طلاباً في جامعات النظام بين ترك الجامعة بشكلٍ نهائيٍّ أو منعهم من العمل. على أن اللجنة لم تلتزم بمستوى المعلم التعليميّ، وبحسب بعض أولياء الأمور تكونت غالبية الكادر التدريسيّ من حملة الشهادات الإعدادية والثانوية، ونادراً من الطلبة الجامعيين الذين لم يتخرجوا بعد. وقد فرضت بعض الشروط الغريبة على الكادر التدريسيّ، كمنع المعلمات من وضع مساحيق التجميل وأحمر الشفاه واللباس «غير اللائق»، والمعلمين من إطالة اللحية أو الشعر. وقد دفع المدرسون الحكوميون –من أبناء القامشلي والوافدين إليها- ضريبة باهظة، فقد منعتهم الإدارة الذاتية من الدخول إلى المدارس التي كانوا يدرّسون فيها سابقاً، وخصّصت لهم طاولةً على رصيف المدرسة الخارجيّ، توضع عليها سجلات الدوام لتوقيعها، ليحصلوا على مباشرة عملٍ من المجمع التربويّ الحكوميّ.
المنهاج والمدارس
فرضت لجنة إدارة المدارس تدريس المناهج جميعها، لصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي، باللغة الكردية كتابةً وإلقاءً. ولا تختلف المناهج التي تدرّس عن مناهج النظام في التسمية (الرياضيات؛ اللغة العربية؛ الكيمياء؛ العلوم؛ اللغة الإنكليزية؛ التاريخ؛ الجغرافية)، بالإضافة إلى إدخال حصصٍ ترفيهية (كالرقص؛ الموسيقا؛ الزراعة؛ الصحة). وأيضاً تم توسيع طباعة المناهج، لتشمل الصف الرابع والخامس والسادس، باللغتين الكردية والعربية، بعد أن كانت بالعربية فقط.
وقد ضمت بعض المدارس الخاضعة للإدارة صفاً واحداً للطلاب العرب، كمدارس (الخليج؛ حسين عبده؛ الشريف الرضي). وقامت اللجنة بتغيير اسم مدرسة عربستان إلى كردستان. بينما بقيت بعض المدارس تحت سيطرة النظام لأنها تقع ضمن المربع الأمني، وهي مدارس (زكي الأرسوزي؛ حسين عدواني؛ حنا غزالي؛ الحرية)، إلى جانب مدارس حي طيّ (سليمان عزو؛ محمد الفارس؛ ابن سينا) الذي يقع تحت سيطرة ميليشيا الدفاع الوطني. وتضم تلك المدارس فوجين بسبب ازدحام الطلاب فيها، وبينهم عددٌ كبيرٌ من الطلبة الوافدين، وأيضا من أهالي القامشلي الأكراد والعرب. ويشرف المجمع التربوي التابع للنظام على عملية التدريس فيها، وتمنح الصحيفة المدرسية (الجلاء) من قبل مديرية التربية التابعة للنظام.
ورغم عدم جاهزية الكادر التعليميّ للإدارة الذاتية إلا أنه يعمل بخطةٍ إداريةٍ عالية التنظيم شكلاً، تمت دراستها ووضعها في النظام الداخلي لهيئة التربية والتعليم، فضمت كل مدرسةٍ عدداً من اللجان (لجنة متابعة التعليم والتخطيط؛ لجنة الامتحانات؛ لجنة الطلبة؛ لجنة الأرشيف والسجلات؛ لجنة الصحة وحماية البيئة؛ لجنة البحث والتحقيق والانضباط؛ لجنة عوائل الطلاب؛ لجنة الإعلام؛ لجنة الثقافة والفن والرياضة؛ لجنة المكتبة واستلام الكتب وتوزيعها). ومهام هذه اللجان ضبط العمل داخل المدرسة.
الوافدون
وفدت إلى محافظة الحسكة العديد من العوائل الهاربة من المدن السورية التي تشهد اشتباكاتٍ مستمرة. وكانت غالبية الوافدين من دير الزور، الأقرب جغرافيا إلى الحسكة، ثم من حلب والرقة وحمص وريف دمشق. توزع الوافدون في مدينة الحسكة وريفها وصولاً إلى مدينة القامشلي، وغالبيتهم يعانون ظروفاً اقتصاديةً سيئة. وقد صدموا بصراع النظام والإدارة الذاتية حول التعليم، مع بداية العام الدراسي، لتنقسم السيطرة على المدارس بين الطرفين ويقع الوافدون في حيرةٍ من أمرهم، فوجدت غالبيتهم العظمى في مدارس الإدارة الحل الوحيد للمرحلة الابتدائية، بينما اطمأنوا إلى المدارس الإعدادية والثانوية لأنها بقيت تحت جناح النظام، وبذلك تمنح أبناءهم شهادةً معترفاً بها.
أرسل بعض الوافدين أبناءهم إلى مدارس الإدارة بحجة: «أرسل طفلي ليكتسب أيّ معلومةٍ وينضبط بالالتزام المدرسيّ أفضل من تركه بعيداً عن التعليم»؛ بينما كان لغيرهم كلامٌ مختلف، فأرسل أولاده إلى العمل رغبةً منه في مساعدة العائلة المنهكة، ملقياً اللوم على الإدارة الذاتية: «ما الفائدة من تدريس أبنائي بلا اعترافٍ من المدارس الحكومية الأخرى؟». وقد استقطبت المدارس الخاصة عدداً قليلاً من الطلبة الوافدين، وذلك لارتفاع تكاليف التعليم فيها، إذ يبلغ رسم تسجيل طالب الصف الأول الابتدائي 45000 ليرةٍ سورية، و20000 ليرةٍ لحافلة نقل الطلاب، يصعب على رب الأسرة الوافدة تأمينها في ظل الوضع الراهن. وعلى كل حالٍ فالمدارس الخاصة العاملة قليلة، وهي (البيان؛ الأمل؛ السعادة؛ البر)، وهي تحصل على رخَص عملها من النظام وتعتمد منهاجه.
ورغم الوقت الذي مرّ على بداية العام الدراسيّ إلا أن بعض الوافدين لا يعرف إلى أين يرسل طفله حتى الآن. وقد اختار بعضهم مدارس الإدارة دون أن يعرف أنها لا تمنح صحيفةً مدرسيةً معترفاً بها في مدارس النظام التي رفضت، مع بداية العام الدراسيّ الحاليّ، تسجيل طلاب الصف السابع ممن حصلوا على صحيفةٍ مدرسيةٍ من مدارس الإدارة الذاتية.
ويشكل الطلبة الوافدون في مدارس الإدارة الذاتية ما يقارب نسبة 20 إلى 25% بحسب معلمين من المدينة، أما عدد الطلبة العرب فيقارب 35%. وغالباً ما يدرس أبناء المسيحيين في مدارس خاصةٍ بهم.