ثابر العماد أول مصطفى طلاس، وزير الدفاع المزمن لحافظ الأسد، وأحد مهندسي توريث ابنه؛ على كتابة مذكراته. وعندما وصل إلى عقد الثمانينيات أرسل ما كتبه إلى القصر الجمهوريّ لينال الموافقة على نشره، ولكنها لم تأتِ، بسبب هذا الفصل الذي سرّب ونشر مستقلاً في لبنان. ويتناول تفاصيل صراع الرئيس مع شقيقه رفعت، عام 1984.
ففي أواخر شهر شباط من ذلك العام هاتف الأسد وزير دفاعه في منزله فجراً، وأمره بالتوجّه مباشرة إلى مكتبه في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، واستنفار التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق، لأن العميد رفعت الأسد قد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدة للسيطرة على دمشق.
وكان رفعت قد استغل مرحلة الصراع مع الإخوان المسلمين لمضاعفة أعداد وحدة سرايا الدفاع التي يقودها، بطلب ضباطٍ ومجندين، وكانت إدارة شؤون الضباط وشعبة التنظيم والإدارة تستجيبان له، الأمر الذي رفع تعداد الوحدة من ستة عشر ألفاً إلى أربعين ألفاً من مختلف الرتب، بالإضافة إلى تمدد أذرع رفعت من المحاسيب على مرافق الدولة المختلفة. وبدأت القناعة تتشكل بأن رفعت يبيّت شيئاً ما.
كان مخطط قائد سرايا الدفاع للسيطرة على دمشق يقضي بإغلاق المحاور الأساسية، لعزل الوحدات والتشكيلات الضاربة المتمركزة خارجها والتي ولاؤها لشقيقه، وفي نفس الوقت تتحرك ثلاث وحداتٍ إلى مهام السيطرة على منزل الرئيس، وعلى مقر القيادة العامة، واحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون والإعلان مباشرة عن نبأ استلام رفعت الأسد مقاليد السلطة في البلاد. ولإشعار سكان العاصمة دمشق بأن القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية، فمن المقرّر تقوم كتائب المدفعية بقصف دمشق عشوائياً لإرهاب السكان، ثم تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعمليات نهبٍ وسلبٍ للمدينة المنكوبة. وقد أبلغ العميد رفعت ضباطه وجنوده أن المدينة ستكون لهم حلالاً مدة ثلاثة أيام بلياليها، وبعدها لا يجوز أبداً أن يظل فقيرٌ واحدٌ في سرايا الدفاع.
ومــــن أجل ضمان حصته الشـخصية، اتفـق "القــــائد" مع رجـــله الطرابلســــي علي عيد، الذي جهز مفرزةً من اللصوص قوامها حوالي مئتي عنصر، مع عشرين سيارة متنوعة، وهم مسلحون ببنـــادق كلاشـينكوف ومدافع مضـــــادة للدروع، لنهب محلات الصاغة والمجوهرات خاصة، عندما تحين ساعة الصفر.
ودون خجلٍ يخبرنا وزير الدفاع أن رفعت كان يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بوعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية في الساحل، بل قرّر في إحدى المراحل نقل صراعه مع أخيه إلى هناك، لأن المنطقة حساسة. وكان يتصوّر أنه من الصعب على "السيد الرئيس" أن يأمر سلاح الطيران والمدفعية والصواريخ بقصف الأماكن التي قد ينشب فيها النزاع. ولكن طلاس يخبرنا ببساطةٍ أن هذا "الإحســــاس خاطئ"، وأن الأسد لن "يتردد بقصف أي مكان يلجأ إليه المتمردون على سلطته"... إذا لزم الأمر!