البحث عن الأمان .. وقصة الاغتراب السوري

 عدسة بيتر بيرو | مخيم دوميــز | أربيل

البحث عن الأمان .. وقصة الاغتراب السوري
اللاجئون السوريون في كوردستان بخير... لولا لعنة الحنين

معتز عبد الرحمن | كردستان العراق

 

النزوح

هستيريا القتل، الصلاة القسرية اليومية للقاتل، والدعوات المقززة لحملنا على قتل إخوتنا، دفعتني أنا ومجموعة كبيرة من رفاقي إلى الانشقاق عن جيش الأسد، كما يسميه. هكذا، بتوتر وغضب واضحين... يحكي الشاب علي ذو العشرين عاماً قصة لجوئه إلى إقليم كردستان العراق. يضيف: (لم أتعرض إلى أي إجراء غير عادي عند دخولي إلى الإقليم، مع العلم بأني لا أملك أي وثيقة تثبت شخصيتي سوى صورة عن الهوية كنت محتفظاً بها). يعمل علي حالياً في مجال البناء ويرسل جزءاً من دخله لإعانة عائلته في القامشلي.
لا يقتصر الأمر على المنشقين، فهناك عدد كبير من العوائل التي نزحت من مدنها (دمشق، حلب، الحسكة)، نتيجة المعارك الطاحنة والقصف المتواصل، بحثاً عن مكان آمن يحمي أطفالهم من الموت ومن عنف أصوات المدافع.

يتوزع اللاجئون السوريون، الذين يقترب عددهم من 150 ألفاً، في محافظات الإقليم الثلاث (دهوك، أربيل، السليمانية). ويتركز العدد الأكبر منهم في محافظة دهوك التي تحوي مخيم (دوميز) للاجئين.
أبو أسعد، أب لخمسة أطفال، يتحدث عن وضع المخيم: (الخدمات جيدة هناك... معونة شهرية ومساعدات غذائية. وهناك تبرعات شبه يومية من أهل الخير. لكننا نعاني من قلة المياه ومشكلة الصرف الصحي). ويضيف أنه سيخرج قريباً من المخيم بعدما حصل على عمل له ولابنته في معمل للحلويات بمدخول يعينهم على دفع إيجار البيت وتأمين مستلزمات الحياة اليومية.

 

العمل

يعاني السوريون في معظمهم من صعوبة إيجاد عمل في مجال دراستهم، ذلك أن سوق الإقليم هو سوق ناشئ، بالإضافة إلى معضلة اللغة، إذ أن غالبية السكان يتحدثون اللغة الكوردية، إلى جانب ضعف الأجور في بعض الأحيان. إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمامهم، فتراهم يعملون في مجالات عدة (البناء، الفنادق، المطاعم، المبيعات). وبات الصدى الإيجابي الذي يتركونه لدى أصحاب العمل واضحاً، الأمر الذي دفع العديد من أصحاب العمل مؤخراً إلى طلب موظفين سوريين حصراً.

 

التعليم

أنشأت مفوضية اللاجئين مدرسة لطلاب الإبتدائية والإعدادية في مخيم دوميز، وهي حالياً في صدد التوسع في المدارس. لكن هناك نسبة لا بأس بها من الطلاب المقيمين خارج المخيم محرومون من التعليم. ويبدي الأهالي خوفهم على مستقبل أطفالهم في حال استمرار الحرب في سوريا سنة أخرى.
وفي هذا المجال تظهر بشكل مخيف مشكلة طلاب الجامعات، الذين انقطعوا عن جامعاتهم. وهناك مساع تقوم بها بعض الجهات لتقديم طلب لحكومة الإقليم،  للسماح للطلاب بالدراسة في جامعاتها.

 

العـــودة

يرفض السوريون مصطلح العودة، الذي يذكرهم بالشعب الفلسطيني المحروم من أرضه منذ ما يزيد على ستين عاماً، وتعيش سوريا معهم يوما بيوم وساعة بساعة، فهي شاغلهم اليومي وموضوع أحاديثهم الرئيسي يقول جوان (37 سنة) يعمل في تجارة الألبسة: (نحن لم ننقطع عن سوريا فالحمد لله لدينا الكثير من المناطق المحررة، وأنا أسافر بشكل دائم الى القامشلي وحلب). حدائق أربيل تشكل متنفساً للكثير من العوائل السورية، بمها (26عام) وابنتها روزين (4 سنوات) أخرجت من محفظتها مجموعة مفاتيح وقالت: (هذا مفتاح بيتنا في حلب، أحمله معي دائما تحسباً للحظة العودة) ثم استدركت مبتسمة بحزن: (صحيح بشار قصف البيت بس مو مهم... رح نرجع نعمّره). أما طفلتها روزين فكانت تأكل البسكويت. وعند سؤالها "هل هو لذيذ؟" تصرخ: (لا. بسكوت حلب أطيب).
عيون السوريين جميعاً تقول:  نحن بخير لولا لعنة الحنين.