الأسد في غابته

في مشروع دمر بدمشق اختلف سائق التكسي مع الراكب وشقيقته. ولما نزلا للعراك بالأيدي في الشارع وباعد بينهما بعض السكان، عاد السائق إلى سيارته فأخرج قنبلة يدوية رماها على الخصم والشقيقة ومن حولهما ولاذ بالفرار.

وفي حلب، التي يبدو أن مهمة الشرطة العسكرية الروسية فيها قد باءت بفشل ذريع، تكاد الحوادث أن تكون يومية؛ دهس طبيبة أسنان أرمنية بسبب السرعة الزائدة لسيارة «من دون نمرة» تعود لأحد عناصر ميليشيا الدفاع الوطني، مما أدى إلى وفاتها... إطلاق أحد الجيران المتنفذين النار على مجموعة من لاعبي نادي الاتحاد، النادي الأول في المدينة، لأنهم «أغلقوا باب البناء بقوة»... اختطاف فتاة في السادسة عشرة بعد خروجها من صلاة التراويح من قبل مجهولين يستقلون سيارة تكسي «بلا نمرة»... طفل في الثانية عشرة يتسول ثمن الإفطار من المارة في حيّ الموكامبو، ولما طلب مالاً من أحد الشبيحة أخرج الأخير مسدسه وأطلق الرصاص على رأس الفتى فأودى بحياته...

يحدث هذا في المناطق التي تحت سيطرة النظام، حيث يضطر إلى المحافظة على حد من التحكم يبرر له الزعم بأنه «الدولة» التي تحقق الاستقرار والأمان، ولو على طريقة «نحن الدولة ولاك». أما في مناطقنا المحررة فالوضع أدهى وأمرّ، وخصوصاً بعد أن صار النظر إليها كأرض للفصائل والنفوذ والقطاعات أمراً طبيعياً. فلا يكاد ينشأ خلاف بين شخصين إلا ويتحول إلى صدام بين عائلتين أو بلدتين، وهنا من الراجح أن يتحول إلى صراع بين فصيلين، فتتحرك المؤازرات وتهتز القبضات وتكثر التسريبات... فلا أقل من «استئصال» الخصم الذي «صبرنا طويلاً على غلوه أو بغيه أو عمالته أو إفساده في الأرض»... تهم شتى نتبادلها سريعاً ونحن نحرّك الأرتال ونستبيح دماء إخوتنا دون رادع من دين أو خلق أو وطنية أو حس بالمصلحة المشتركة على الأقل!

ولكن كل ما سبق هو من نتاج خيار «الأسد أو نحرق البلد» الذي سلكه الحاكم المجنون ومؤيدوه. فقد كان من شأن انتقال ديمقراطي للسلطة أن يوفر على البلاد هذه الجراحة التي لا تبدو لها نهاية، فلا يضطر المحتجون السلميون إلى حمل السلاح والتجمع في فصائل، ولا يضطر الطاغية إلى الهروب إلى الأمام بإطلاق يد مجرمين متزايدي الرعونة ليدافعوا عنه في وجه الثورة المسلحة، ويطالبوا بالتالي بحصتهم من أرواح الناس.