افتتاحية العدد 87

هدنة زائفة!

حسناً... تُستثنى المناطق التي تسيطر عليها داعش، في محافظة دير الزور والرقة وبعض ريف حلب، من الهدنة، ويظل ساكنوها عرضةً لتنويعةٍ واسعةٍ من أصناف الأسلحة، حسب المضاربة العالمية لمحاربة الإرهاب ووكلائها المحليين. كما تُستثنى محافظة إدلب ريفاً ومدينة، بسبب تداخل وجود الفصائل هناك مع قوّات ومقرّات وسيارات جبهة النصرة... فتح الشام... إلخ. وتخرج مناطق ريف دمشق من الهدنة، في وادي بردى الذي طاله التهجير مؤخراً وفي جبهات الغوطة، لأن حزب الله والفرقة الرابعة يريدان ذلك. وتُستثنى مناطق من ريف حلب من الهدنة بناءً على رغبة النمر، وريف حمص الشماليّ بمبرّرٍ أو دون مبرّر، وأرياف حماة لأنها جبهات!

ما الذي يبقى من الهدنة إذاً! وما مغزى مؤتمر الأستانة! وما هو دور «الراعي الروسيّ» وشريكيه!

بل ما معنى اختلافنا نحن حول الهدنة والمؤتمر والحل، وصولاً إلى الصدام بالأسلحة الثقيلة وتطاير التصريحات حول استئصال هذا الفصيل أو ذاك. ألا نهادن بعضنا على الأقل؟!

لا يكشف المشهد السابق تضارب مصالح معسكر أعدائنا، وتشرذم معسكرنا، فحسب؛ بل يلقي الضوء على مقدار «هواننا على الناس». تتدخل روسيا عسكرياً متى شاءت، وتعلن انسحاباً كاذباً متى شاءت. تخلع ثوب الخصم وترتدي عباءة الحكم وتصبح راعيةً للحلّ بين «الأطراف» بينما طيرانها لا يزال يعربد في الجوّ. ويضطرّ بعضنا، بسبب قلة الحيلة وضعف القدرات، إلى التظاهر بالتصديق والذهاب إلى المؤتمر المزعوم، فيخالفهم آخرون لا يرون في غير السلاح سبيلاً، تجاه أعدائهم ورفاق صفّهم على السواء، فتنطلق النيران ويسيل الدم.

لم تكفِ السنوات الستّ المنصرمة لنمسك بمفاتيح القوة؛ العسكرية والسياسية والعلاقات الدولية المثمرة، ولا يبدو أننا سنتعلم ذلك في المستقبل المنظور. فهل سنستمرّ في التذمر من أن أمرنا لم يعد في يدنا منذ زمنٍ طويل؟ وهل سيدعو بعضنا إلى مقاومة الحلّ الدوليّ الذي أخذت معالمه تتشكّل مع إدارة ترامب؟

القرار المستقل من حقنا، كما الحرية والكرامة والعدالة، ولكن أثمان هذه الحقوق باهظة. وكلما أسرعنا في استيعاب الدروس القاسية كلما وفّرنا المزيد من الألم والدمار على أهلنا وبلادنا... فهل نفعل؟