افتتاحية العدد 84

ستنتصر الثورة... ولكن!

بالنسبة إلى الكثيرين، الآن، يبدو الحديث عن عودة الحلبيين المهجّرين إلى مدينتهم مجرّد حلم يقظة، وتبدو الوعود بالنصر بعد هذا الاستضعاف شعاراتٍ يرددها البعض بدافع المكابرة الجريحة أو لانتمائهم إلى عالمٍ تتآكل معالمه وتبهت كل يوم. مرّةً أخرى نقول إن لا شيء جديداً هنا، فهذا من الأعراض المعروفة لزمن الانكسار، حين يعتصر الألم القلوب وتهتز العقول، ويتثبّت المرء عند حدود اللحظة الراهنة.

السكينة صعبةٌ اليوم ولا شك، ولكن أيّ قراءةٍ هادئةٍ للمشهد تشير إلى أن ما حدث لا يمكن أن يستمرّ طويلاً، وليس نهاية العالم والثورة. سواءً أكانت هذه الرؤية معتمدةً على الثقة بالله، أو بقوّة الحقّ، أو بتجارب الشعوب، أو بالتوازن الدوليّ والإقليميّ. وحدهم أعداؤنا المتغطرسون يؤمنون بقدرة القوّة العارية المجرّدة على تغيير الجغرافيا والسكان والتاريخ، ولسنا مثلهم.

المشكلة الأكبر والأخطر، ربما، هي ما يزرعه ما حصل في حلب وسواها من ألغامٍ تفخّخ المستقبل. سيعود الرجال والنساء والأطفال الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ، ولكن ليس كما كانوا للأسف. فبعد براميل الحقد وحصار الجوع والإخلاء المذلّ وإطلاق النار البربريّ عليهم في سيارات الإسعاف، وبعد الاحتفالات بتهجيرهم من قبل إخوةٍ لهم في المدينة نفسها والوطن ذاته، فضلاً عن جحافل الغزاة الطائفيين... بعد كلّ هذا كيف سيستطيع «العقلاء» كفّ يد الانتقام؟!

هنا المشكلة، في تحوّل أهالي المناطق المهجّرة من أبناء ثورةٍ إلى طلاب ثأر.

كنا نريد الطريق أسهل وأقصر وأكثر إنسانية، ولكن السمّ المركّز الذي يختزنه هذا النظام يأبى إلا أن يلطّخ ببثوره المسرطنة وجه الحاضر والمستقبل. بهذا بالضبط يُعيد السوريين إلى حظيرته الفعلية، بالكراهية لا بالمصالحات. بإطلاق الرصاص على المتظاهرين المتفائلين الفرحين حتى حملوا السلاح، وباعتصار أرواح من حملوا السلاح حتى تنزّ سواداً فيتحولوا إلى دواعش أو يشبهوا عناصر الحرس الثوريّ الإيرانيّ وحشوده الطائفية.

أردناها ثورةً وأرادها النظام حرباً. أردنا الحرية والكرامة للسوريين فأبى إلا أن يستخرج الوحشية من نفوس أنصاره وأعدائه على حدٍّ سواء.